Hikem-i Atâiyye
حكم ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه ...الحكم العطائية
حكم ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
1) مِنْ عَلاَمَاتِ الاعْتِمَادِ
عَلَى الْعَمَلِ : نُقْصَانُ الرَّجَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الزَّلَلِ .
2) إِرَادَتُكَ التَّجْرِيدَ مَعَ إِقَامَةِ اللهِ إِيَّاكَ فِى الأَسْبَابِ مِنَ
الشَّهْوَةِ الْخَفِيَّةِ ، وَإِرَادَتُكَ الأَسْبَابَ مَعَ إِقَامَةِ اللهِ
إِيَّاكَ فِى التَّجْرِيدِ انْحِطَاطٌ عَنِ الْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ .
3) سَوَابِقُ الْهِمَمِ لاَ تَخْرِقُ أَسْوَارَ الأَقْدَارِ .
4) أَرِحْ نَفْسَكَ مِنَ التَّدْبِيرِ فَمَا قَامَ بِهِ غَيْرُكَ عَنْكَ لاَ
تَقُمْ بِهِ لِنَفْسِكَ .
5) اجْتِهَادُكَ فِيمَا ضَمِنَ لَكَ ، وَتَقْصِيرُكَ فِيمَا طَلَبَ مِنْكَ :
دَلِيلٌ عَلَى انْطِمَاسِ الْبَصِيرَةِ مِنْكَ .
6) لاَ يَكُنْ تَأَخُّرُ أَمَدِ الْعَطَاءِ مَعَ الإِلْحَاحِ فِى الدُّعَاءِ
مُوجِبًا لِيَأْسِكَ ، فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجَابَةَ فِيمَا يَخْتَارُهُ لَكَ ،
لاَ فِيمَا تَخْتَارُ لِنَفْسِكَ ، وَفِى الْوَقْتِ الَّذِى يُرِيدُ ، لاَ فِى
الْوَقْتِ الَّذِى تُرِيدُ .
7) لاَ يُشَكِّكَنَّكَ فِى الْوَعْدِ عَدَمُ وُقُوعِ الْمَوْعُودِ وَإِنْ
تَعَيَّنَ زَمَنُهُ ؛ لِئَلاَّ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْحًا فِى بَصِيرَتِكَ ،
وَإِخْمَادًا لِنُورِ سَرِيرَتِكَ .
8) إِذَا فَتَحَ لَكَ وِجْهَةً مِنَ التَّعَرُّفِ فَلاَ تُبَالِ مَعَهَا أَنْ
قَلَّ عَمَلُكَ ؛ فَإِنَّهُ مَا فَتَحَهَا لَكَ إِلاَّ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ
يَتَعَرَّفَ إِلَيْكَ ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ التَّعَرُّفَ هُوَ مُورِدُهُ
عَلَيْكَ ، وَالأَعْمَالَ أَنْتَ مُهْدِيهَا إِلَيْهِ ؟ وَأَيْنَ مَا تُهْدِيهِ
إِلَيْهِ مِمَّا هُوَ مُورِدُهُ عَلَيْكَ ؟
9) تَنَوَّعَتْ أَجْنَاسُ الأَعْمَالِ لِتَنَوُّعِ وَارِدَاتِ الأَحْوَالِ .
10) الأَعْمَالُ صُوَرٌ قَائِمَةٌ ، وَأَرْوَاحُهَا وُجُودُ سِرِّ الإِخْلاَصِ
فِيهَا .
11) ادْفِنْ وُجُودَكَ فِى أَرْضِ الْخُمُولِ، فَمَا نَبَتَ مِمَّا لَمْ يُدْفَنْ
لاَ يَتِمُّ نِتَاجُهُ .
12) مَا نَفَعَ الْقَلْبَ شَىْءٌ مِثْلُ عُزْلَةٍ يَدْخُلُ بِهَا مَيْدَانَ
فِكْرَةٍ .
13) كَيْفَ يُشْرِقُ قَلْبٌ صُوَرُ الأَكْوَانِ مُنْطَبِعَةٌ فِى مِرْآَتِهِ ؟
أَمْ كَيْفَ يَرْحَلُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِشَهَوَاتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ
يَطْمَعُ أَنْ يَدْخُلَ حَضْرَةَ اللهِ وَهُوَ لَمْ يَتَطَهَّرْ مِنْ جَنَابَةِ
غَفَلاَتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْجُو أَنْ يَفْهَمَ دَقَائِقَ الأَسْرَارِ وَهُوَ
لَمْ يَتُبْ مِنْ هَفَوَاتِهِ ؟
14) الْكَوْنُ كُلُّهُ ظُلْمَةٌ ، وَإِنَّمَا أَنَارَهُ ظُهُورُ الْحَقِّ فِيهِ ،
فَمَنْ رَأَى الْكَوْنَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ فِيهِ أَوْ عِنْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ
بَعْدَهُ فَقَدْ أَعْوَزَهُ وُجُودُ الأَنْوَارِ ، وَحُجِبَتْ عَنْهُ شُمُوسُ
الْمَعَارِفِ بِسُحُبِ الآَثَارِ .
15) مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى وُجُودِ قَهْرِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ حَجَبَكَ عَنْهُ
بِمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مَعَهُ .
16) كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ الَّذِى أَظْهَرَ كُلَّ
شَىْءٍ ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ الَّذِى ظَهَرَ
بِكُلِّ شَىْءٍ ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ الَّذِى
ظَهَرَ فِى كُلِّ شَىْءٍ ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ
الَّذِى ظَهَرَ لِكُلِّ شَىْءٍ ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ
وَهُوَ الظَّاهِرُ قَبْلَ وُجُودِ كُلِّ شَىْءٍ ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ
يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ
يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ الْوَاحِدُ الَّذِى لَيْسَ مَعَهُ شَىْءٌ ؟ كَيْفَ
يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ ؟
كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَىْءٌ وَلَوْلاَهُ مَا كَانَ وُجُودُ كُلِّ
شَىْءٍ ؟ يَا عَجَبًا كَيْفَ يَظْهَرُ الْوُجُودُ فِى الْعَدَمِ ؟ أَمْ كَيْفَ
يَثْبُتُ الْحَادِثُ مَعَ مَنْ لَهُ وَصْفُ الْقِدَمِ ؟
17) مَا تَرَكَ مِنَ الْجَهْلِ شَيْئًا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِى الْوَقْتِ
غَيْرَ مَا أَظْهَرَهُ اللهُ فِيهِ .
18) إِحَالَتُكَ الأَعْمَالَ عَلَى وُجُودِ الْفَرَاغِ مِنْ رُعُونَاتِ النَّفْسِ
.
19) لاَ تَطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ حَالَةٍ لِيَسْتَعْمِلَكَ فِيمَا
سِوَاهَا ، فَلَوْ أَرَادَكَ لاَسْتَعْمَلَكَ مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجٍ .
20) مَا أَرَادَتْ هِمَّةُ سَالِكٍ أَنْ تَقِفَ عِنْدَمَا كُشِفَ لَهَا إِلاَّ
وَنَادَتْهُ هَوَاتِفُ الْحَقِيقَةِ الَّذِى تَطْلُبُ أَمَامَكَ ، وَلاَ
تَبَرَّجَتْ ظَوَاهِرُ الْمُكَوَّنَاتِ إِلاَّ وَنَادَتْكَ حَقَائِقُهَا {إِنَّمَا
نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} .
21) طَلَبُكَ مِنْهُ اتِّهَامٌ لَهُ ، وَطَلَبُكَ لَهُ غَيْبَةٌ مِنْكَ عَنْهُ ،
وَطَلَبُكَ لِغَيْرِهِ لِقِلَّةِ حَيَائِكَ مِنْهُ ، وَطَلَبُكَ مِنْ غَيْرِهِ
لِوُجُودِ بُعْدِكَ عَنْهُ .
22) مَا مِنْ نَفَسٍ تُبْدِيهِ إِلاَّ وَلَهُ قَدَرٌ فِيكَ يُمْضِيهِ .
23) لاَ تَتَرَقَّبْ فُرُوغَ الأَغْيَارِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُكَ عَنْ وُجُودِ
الْمُرَاقَبَةِ لَهُ فِيمَا هُوَ مُقِيمُكَ فِيهِ .
24) لاَ تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ مَا دُمْتَ فِى هَذِهِ الدَّارِ
فَإِنَّهَا مَا أَبْرَزَتْ إِلاَّ مَا هُوَ مُسْتَحِقُّ وَصْفِهَا وَوَاجِبُ نَعْتِهَا
.
25) مَا تَوَقَّفَ مَطْلَبٌ أَنْتَ طَالِبُهُ بِرَبِّكَ ، وَلاَ تَيَسَّرَ
مَطْلَبٌ أَنْتَ طَالِبُهُ بِنَفْسِكَ .
26) مِنْ عَلاَمَاتِ النُّجْحِ فِى النِّهَايَاتِ: الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ
تَعَالَى فِى الْبِدَايَاتِ .
27) مَنْ أَشْرَقَتْ بِدَايَتُهُ أَشْرَقَتْ نِهَايَتُهُ .
28) مَا اسْتُوْدِعَ فِى غَيْبِ السَّرَائِرِ ظَهَرَ فِى شَهَادَةِ الظَّوَاهِرِ .
29) شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَوْ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ ،
الْمُسْتَدِلُّ بِهِ عَرَفَ الْحَقَّ لأَهْلِهِ فَأَثْبَتَ الأَمْرَ مِنْ وُجُودِ
أَصْلِهِ ، وَالاسْتِدْلاَلُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ ، وَإِلاَّ
فَمَتَى غَابَ حَتَّى يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ ؟ وَمَتَى بَعُدَ حَتَّى تَكَونَ
الآَثَارُ هِىَ الَّتِى تُوَصِّلُ إِلَيْهِ ؟
30) {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّنْ سَعَتَهِ} الْوَاصِلُونَ إِلَيْهِ {وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} السَّائِرُونَ إِلَيْهِ .
31) اهْتَدَى الرَّاحِلُونَ إِلَيْهِ بَأَنْوَارِ التَّوَجُّهِ ، وَالْوَاصِلُونَ
لَهُمْ أَنْوَارُ الْمُوَاجَهَةِ ، فَالأَوَّلُونَ لِلأَنْوَارِ ، وَهَؤُلاَءِ
الأَنْوَارُ لَهُمْ ؛ لأَنَّهُمْ للهِ لاَ لِشَىْءٍ دُونَهُ {قُلِ اللهُ ثُمَّ
ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
32) تَشَوُّفُكَ إِلَى مَا بَطَنَ فِيكَ مِنَ الْعُيُوبِ خَيْرٌ مِنْ تَشَوُّفِكَ
إِلَى مَا حُجِبَ عَنْكَ مِنَ الْغُيُوبِ .
33) الْحَقُّ لَيْسَ بِمَحْجُوبٍ وَإِنَّمَا الْمَحْجُوبُ أَنْتَ عَنِ النَّظَرِ
إِلَيْهِ إِذْ لَوْ حَجَبَهُ شَىْءٌ لَسَتَرَهُ مَا حَجَبَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ
سَاتِرٌ لَكَانَ لِوُجُودِهِ حَاصِرٌ وَكُلُّ حَاصِرٍ لِشَىْءٍ فَهُوَ لَهُ
قَاهِرٌ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} .
34) اخْرُجْ مِنْ أَوْصَافِ بَشَرِيَّتِكَ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ مُنَاقِضٍ
لِعُبُودِيَّتِكَ لِتَكُونَ لِنِدَاءِ الْحَقِّ مُجِيبًا وَمِنْ حَضْرَتِهِ قَرِيبًا.
35) أَصْلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَغَفْلَةٍ وَشَهْوَةٍ الرِّضَا عَنِ النَّفْسِ
وَأَصْلُ كُلِّ طَاعَةٍ وَيَقَظَةٍ وَعِفَّةٍ عَدَمُ الرِّضَا مِنْكَ عَنْهَا .
36) وَلأَنْ تَصْحَبَ جَاهِلاً لاَ يَرْضَى عَنْ نَفْسِهِ خَيرٌ لَكَ مِنْ أَنْ
تَصْحَبَ عَالِمًا يَرْضَى عَنْ نَفْسِهِ فَأَىُّ عِلْمٍ لِعَالِمٍ يَرْضَى عَنْ
نَفْسِهِ وَأَىُّ جَهْلٍ لِجَاهِلٍ لاَ يَرْضَى عَنْ نَفْسِهِ .
37) شُعَاعُ الْبَصِيرَةِ يُشْهِدُكَ قُرْبَهُ مِنْكَ ، وَعَيْنُ الْبَصِيرَةِ
يُشْهِدُكَ عَدَمَكَ لِوُجُودِهِ ، وَحَقُّ الْبَصِيرَةِ يُشْهِدُكَ وُجُودَهُ ،
لاَ عَدَمَكَ وَلاَ وُجُودَكَ .
38) كَانَ اللهُ وَلاَ شَىْءَ مَعَهُ وَهُوَ الآَنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ .
39) لاَ تَتَعَدَّ نِيَّةُ هِمَّتِكَ إِلَى غَيْرِهِ فَالْكَرِيمُ لاَ
تَتَخَطَّاهُ الآَمَالُ .
40) لاَ تَرْفَعَنَّ إِلَى غَيْرِهِ حَاجَةً هُوَ مُورِدُهَا عَلَيْكَ فَكَيْفَ
يَرْفَعُ غَيْرُهُ مَا كَانَ هُوَ لَهُ وَاضِعًا ، مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ
يَرْفَعَ حَاجَةً عَنْ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَنْ
غَيْرِهِ رَافِعًا .
41) إِنْ لَمْ تُحْسِنْ ظَنَّكَ بِهِ لأَجْلِ حُسْنِ وَصْفِهِ فَحَسِّنْ ظَنَّكَ
بِهِ لِوُجُودِ مُعَامَلَتِهِ مَعَكَ فَهَلْ عَوَّدَكَ إِلاَّ حَسَنًا وَهَلْ
أَسْدَى إِلَيْكَ إِلاَّ مِنَنًا .
42) الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَهْرَبُ مِمَّنْ لاَ انْفِكَاكَ لَهُ
عَنْهُ وَيَطْلُبُ مَا لاَ بَقَاءَ لَهُ مَعَهُ {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى
الأَبْصَارُ} الآَيَة .
43) لاَ تَرْحَلْ مِنْ كَوْنٍ إِلَى كَوْنٍ فَتَكُونَ كَحِمَارِ الرَّحَى يَسِيرُ
وَالْمَكَانُ الَّذِى ارْتَحَلَ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِى ارْتَحَلَ مِنْهُ وَلَكِنِ
ارْحَلْ مِنَ الأَكْوَانِ إِلَى الْمُكَوِّنِ {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ
الْمُنْتَهَى} . وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ
وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا
فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)) ، فَافْهَمْ قَوْلَهُ عَلَيْهِ
الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ، وَتَأَمَّلْ هَذَا الأَمْرَ إِنْ كُنْتَ ذَا فَهْمٍ .
44) لاَ تَصْحَبْ مَنْ لاَ يُنْهِضُكَ حَالُهُ وَلاَ يَدُلُّكَ عَلَى اللهِ
مَقَالُهُ .
45) رُبَّمَا كُنْتَ مُسِيئًا فَأَرَاكَ الإِحْسَانَ مِنْكَ صُحْبَتُكَ مَنْ هُوَ
أَسْوَأُ حَالاً مِنْكَ .
46) مَا قَلَّ عَمَلٌ بَرَزَ مِنْ قَلْبٍ زَاهِدٍ ، وَلاَ كَثُرَ عَمَلٌ بَرَزَ
مِنْ قَلْبٍ رَاغِبٍ .
47) حُسْنُ الأَعْمَالِ نَتَائِجُ حُسْنِ الأَحْوَالِ ، وَحُسْنُ الأَحْوَالِ مِنَ
التَّحَقُّقِ فِى مَقَامَاتِ الإِنْزَالِ .
48) لاَ تَتْرُكِ الذِّكْرَ لِعَدَمِ حُضُورِكَ مَعَ اللهِ فِيهِ ؛ لأَِنَّ
غَفْلَتَكَ عَنْ وُجُودِ ذِكْرِهِ أَشَدُّ مِنْ غَفْلَتِكَ فِى وُجُودِ ذِكْرِهِ ،
فَعَسَى أَنْ يَرْفَعَكَ مِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ غَفْلَةٍ إِلَى ذِكْرٍ مَعَ
وُجُودِ يَقَظَةٍ ، وَمِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ يَقَظَةٍ إِلَى ذِكْرٍ مَعَ
وُجُودِ حُضُورٍ وَمِنْ ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ حُضُورٍ إِلَى ذِكْرٍ مَعَ وُجُودِ
غَيْبَةٍ عَمَّا سِوَى الْمَذْكُورِ {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ} .
49) مِنْ عَلاَمَاتِ مَوْتِ الْقَلْبِ : عَدَمُ الْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنَ
الْمُوَافَقَاتِ ، وَتَرْكُ النَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلْتَهُ مِنْ وُجُودِ
الزَّلاَتِ .
50) لاَ يَعْظُمُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ عَظَمَةً تَصُدُّكَ عَنْ حُسْنِ الظَّنِّ
بِاللهِ تَعَالَى ؛ فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ اسْتَصْغَرَ فِى جَنْبِ كَرَمِهِ
ذَنْبَهُ .
51) لاَ صَغِيرَةَ إِذَا قَابَلَكَ عَدْلُهُ ، وَلاَ كَبِيرَةَ إِذَا وَاجَهَكَ
فَضْلُهُ .
52) لاَ عَمَلَ أَرْجَى لِلْقَبُولِ مِنْ عَمَلٍ يَغِيبُ عَنْكَ شُهُودُهُ ،
وَيُحْتَقَرُ عِنْدَكَ وُجُودُهُ .
53) إِنَّمَا أَوْرَدَ عَلَيْكَ الْوَارِدَ لِتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ وَارِدًا .
54) أَوْرَدَ عَلَيْكَ الْوَارِدَ لِيَتَسَلَّمَكَ مِنْ يَدِ الأَغْيَارِ ،
وَلِيُحَرِّرَكَ مِنْ رِقِّ الآَثَارِ .
55) أَوْرَدَ عَلَيْكَ الْوَارِدَ لِيُخْرِجَكَ مِنْ سِجْنِ وُجُودِكَ إِلَى
فَضَاءِ شُهُودِكَ .
56) الأَنْوَارُ مَطَايَا الْقُلُوبِ وَالأَسْرَارِ .
57) النُّورُ جُنْدُ الْقَلْبِ كَمَا أَنَّ الظُّلْمَةَ جُنْدُ النَّفْسِ ،
فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَنْصُرَ عَبْدَهُ أَمَدَّهُ بِجُنُودِ الأَنْوَارِ ،
وَقَطَعَ عَنْهُ مَدَدَ الظُّلَمِ وَالأَغْيَارِ .
58) النُّورُ لَهُ الْكَشْفُ ، وَالْبَصِيرَةُ لَهَا الْحُكْمُ ، وَالْقَلْبُ لَهُ
الإِقْبَالُ وَالإِدْبَارُ .
59) لاَ تُفْرِحْكَ الطَّاعَةُ لأَِنَّهَا بَرَزَتْ مِنْكَ ، وَافْرَحْ بِهَا
لأَِنَّهَا بَرَزَتْ مِنَ اللهِ إِلَيْكَ {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} .
60) قَطَعَ السَّائِرِينَ لَهُ وَالْوَاصِلِينَ إِلَيْهِ عَنْ رُؤْيَةِ
أَعْمَالِهِمْ وَشُهُودِ أَحْوَالِهِمْ ، أَمَّا السَّائِرُونَ فَلأَِنَّهُمْ لَمْ
يَتَحَقَّقُوا الصِّدْقَ مَعَ اللهِ فِيهَا ، وَأَمَّا الْوَاصِلُونَ فَلأَِنَّهُ
غَيَّبَهُمْ بِشُهُودِهِ عَنْهَا .
61) مَا بَسَقَتْ أَغْصَانُ ذُلٍّ إِلاَّ عَلَى بَذْرِ طَمَعٍ .
62) مَا قَادَكَ شَىْءٌ مِثْلُ الْوَهْمِ .
63) أَنْتَ حُرٌّ مِمَّا أَنْتَ عَنْهُ آَيِسٌ وَعَبْدٌ لِمَا أَنْتَ لَهُ طَامِعٌ
.
64) مَنْ لَمْ يُقْبِلْ عَلَى اللهِ بِمُلاَطَفَاتِ الإِحْسَانِ قِيدَ إِلَيْهِ
بِسَلاَسِلِ الامْتِحَانِ .
65) مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِهَا وَمَنْ شَكَرَهَا
فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِهَا .
66) خَفْ مِنْ وُجُودِ إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ وَدَوَامِ إِسَاءَتِكَ مَعَهُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجًا لَكَ {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ
يَعْلَمُونَ} .
67) مِنْ جَهْلِ الْمُرِيدِ أَنْ يُسِىءَ الأَدَبَ فَتُؤَخَّرُ الْعُقُوبَةُ
عَنْهُ ، فَيَقُولُ : لَوْ كَانَ هَذَا سُوءَ أَدَبٍ لَقَطَعَ الإِمْدَادَ
وَأَوْجَبَ الإِبْعَادَ ، فَقَدْ يَقْطَعُ الْمَدَدَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ
يَشْعُرُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ مَنْعَ الْمَزِيدِ ، وَقَدْ يُقَامُ مَقَامَ
الْبُعْدِ وَهُوَ لاَ يَدْرِى ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ أَنْ يُخَلِّيَكَ وَمَا
تُرِيدُ .
68) إِذَا رَأَيْتَ عَبْدًا أَقَامَهُ اللهُ تَعَالَى بِوُجُودِ الأَوْرَادِ ،
وَأَدَامَهُ عَلَيْهَا مَعَ طُولِ الإِمْدَادِ فَلاَ تَسْتَحْقِرَنَّ مَا مَنَحَهُ
مَوْلاَهُ ؛ لأَنَّكَ لَمْ تَرَ عَلَيْهِ سِيمَا الْعَارِفِينَ ، وَلاَ بَهْجَةَ
الْمُحِبِّينَ ، فَلَوْلاَ وَارِدٌ مَا كَانَ وِرْدٌ .
69) قَوْمٌ أَقَامَهُمُ الْحَقُّ لِخِدْمَتِهِ ، وَقَوْمٌ اخْتَصَّهُمْ
بِمَحَبَّتِهِ ، {كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ
وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} .
70) قَلَّمَا تَكُونُ الْوَارِدَاتُ الإِلَهِيَّةُ إِلاَّ بَغْتَةً ، لِئَلاَّ
يَدَّعِيَهَا الْعِبَادُ بِوُجُودِ الاسْتِعْدَادِ .
71) مَنْ رَأَيْتَهُ مُجِيبًا عَنْ كُلِّ مَا سُئِلَ ، وَمُعَبِّرًا عَنْ كُلِّ
مَا شَهِدَ ، وَذَاكِرًا كُلَّ مَا عَلِمَ ، فَاسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُودِ
جَهْلِهِ .
72) إِنَّمَا جَعَلَ الدَّارَ الآَخِرَةَ مَحَلاًّ لِجَزَاءِ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ ؛ لأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لاَ تَسَعُ مَا يُرِيدُ أَنْ
يُعْطِيَهُمْ ، وَلأَنَّهُ أَجَلَّ أَقْدَارَهُمْ عَنْ أَنْ يُجَازِيَهُمْ فِى
دَارٍ لاَ بَقَاءَ لَهَا .
73) مَنْ وَجَدَ ثَمَرَةَ عَمَلِهِ عَاجِلاً فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ
الْقَبُولِ آجِلاً .
74) إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ قَدْرَكَ عِنْدَهُ فَانْظُرْ فِى مَاذَا
يُقِيمُكَ .
75) مَتَى رَزَقَكَ الطَّاعَةَ وَالْغِنَى بِهِ عَنْهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ
أَسْبَغَ عَلَيْكَ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً .
76) خَيْرُ مَا تَطْلُبُهُ مِنْهُ مَا هُوَ طَالِبُهُ مِنْكَ .
77) الْحُزْنُ عَلَى فُقْدَانِ الطَّاعَةِ مَعَ عَدَمِ النُّهُوضِ إِلَيْهَا مِنْ
عَلاَمَاتِ الاغْتِرَارِ .
78) مَا الْعَارِفُ مَنْ إِذَا أَشَارَ وَجَدَ الْحَقَّ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ
إِشَارَتِهِ ، بِلِ الْعَارِفُ مَنْ لاَ إِشَارَةَ لَهُ ؛ لِفَنَائِهِ فِى
وُجُودِهِ ، وَانْطِوَائِهِ فِى شُهُودِهِ .
79) الرَّجَاءُ مَا قَارَنَهُ عَمَلٌ ، وَإِلاَّ فَهُوَ أُمْنِيَةٌ .
80) مَطْلَبُ الْعَارِفِينَ مِنَ اللهِ تَعَالَى الصِّدْقُ فِى الْعُبُودِيَّةِ
وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الرُّبُوبِيَّةِ .
81) بَسَطَكَ كَىْ لاَ يُبْقِيكَ مَعَ الْقَبْضِ ، وَقَبَضَكَ كَىْ لاَ يَتْرُكَكَ
مَعَ الْبَسْطِ ، وَأَخْرَجَكَ عَنْهُمَا كَىْ لاَ تَكُونَ لِشَىْءٍ دُونَهُ .
82) الْعَارِفُونَ إِذَا بُسِطُوا أَخْوَفُ مِنْهُمْ إِذَا قُبِضُوا ، وَلاَ
يَقِفُ عَلَى حُدُودِ الأَدَبِ فِى الْبَسْطِ إِلاَّ قَلِيلٌ .
83) الْبَسْطُ تَأْخُذُ النَّفْسُ مِنْهُ حَظَّهَا بِوُجُودِ الْفَرَحِ ،
وَالْقَبْضُ لاَ حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ .
84) رُبَّمَا أَعْطَاكَ فَمَنَعَكَ ، وَرُبَّمَا مَنَعَكَ فَأَعْطَاكَ .
85) مَتَى فَتَحَ لَكَ بَابَ الْفَهْمِ فِى الْمَنْعِ عَادَ الْمَنْعُ عَيْنَ
الْعَطَاءِ .
86) الأَكْوَانُ ظَاهِرُهَا غِرَّةٌ ، وَبَاطِنُهَا عِبْرةٌ ، فَالنَّفْسُ
تَنْظُرُ إِلَى ظَاهِرِ غِرَّتِهَا وَالْقَلْبُ يَنْظُرُ إِلَى بَاطِنِ
عِبْرَتِهَا .
87) إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَكُونَ لَكَ عِزٌّ لاَ يَفْنَى فَلاَ تَسْتَعِزَّنَّ
بِعِزٍّ يَفْنَى .
88) الطَّىُّ الْحَقِيقِىُّ أَنْ تَطْوِىَ مَسَافَةَ الدُّنْيَا عَنْكَ حَتَّى
تَرَى الآَخِرَةَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْكَ .
89) الْعَطَاءُ مِنَ الْخَلْقِ حِرْمَانٌ ، وَالْمَنْعُ مِنَ اللهِ إِحْسَانٌ .
90) جَلَّ رَبُّنَا أَنْ يُعَامِلَهُ الْعَبْدُ نَقْدًا فَيُجَازِيهِ نَسِيئَةً .
91) كَفَى مِنْ جَزَائِهِ إِيَّاكَ عَلَى الطَّاعَةِ أَنْ رَضِيَكَ لَهَا أَهْلاً
.
92) كَفَى الْعَامِلِينَ جَزَاءً مَا هُوَ فَاتِحُهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِى
طَاعَتِهِ ، وَمَا هُوَ مُورِدُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُودِ مُؤانَسَتِهِ .
93) مَنْ عَبَدَهُ لِشَىْءٍ يَرْجُوهُ مِنْهُ ، أَوْ لِيَدْفَعَ بِطَاعَتِهِ
وُرُودَ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ فَمَا قَامَ بِحَقِّ أَوْصَافِهِ .
94) مَتَى أَعْطَاكَ أَشْهَدَكَ بِرَّهُ ، وَمَتَى مَنَعَكَ أَشْهَدَكَ قَهْرَهُ ،
فَهُوَ فِى كُلِّ ذَلِكَ مُتَعَرِّفٌ إِلَيْكَ ، وَمُقْبِلٌ بِوُجُودِ لُطْفِهِ
عَلَيْكَ .
95) إِنَّمَا يُؤْلِمُكَ الْمَنْعُ لِعَدَمِ فَهْمِكَ عَنِ اللهِ فِيهِ .
96) رُبَّمَا فَتَحَ لَكَ بَابَ الطَّاعَةِ وَمَا فَتَحَ لَكَ بَابَ الْقَبُولِ ،
وَرُبَّمَا قَضَى عَلَيْكَ بِالذَّنْبِ فَكَانَ سَبَبًا فِى الْوُصُولِ .
97) مَعْصِيَةٌ أَوْرَثَتْ ذُلاًّ وَافْتِقَاراً خَيْرٌ مِنْ طَاعَةٍ أَوْرَثَتْ
عِزًّا وَاسْتِكْبَارًا .
98) نِعْمَتَانِ مَا خَرَجَ مَوْجُودٌ عَنْهُمَا ، وَلاَ بُدَّ لِكُلِّ مُكَوَّنٍ
مِنْهُمَا : نِعْمَةُ الإِيجَادِ ، وَنِعْمَةُ الإِمْدَادِ .
99) أَنْعَمَ عَلَيْكَ أَوَّلاً بِالإِيجَادِ ، وَثَانِيًا بِتَوَالِى الإِمْدَادِ
.
100) فَاقَتُكَ لَكَ ذَاتِيَّةٌ ، وَوُرُودُ الأَسْبَابِ مُذَكِّرَاتٌ لَكَ بِمَا
خَفِىَ عَلَيْكَ مِنْهَا ، وَالْفَاقَةُ الذَّاتِيَّةُ لاَ تَرْفَعُهَا
الْعَوَارِضُ .
101) خَيْرُ أَوْقَاتِكَ وَقْتٌ تَشْهَدُ فِيهِ وُجُودَ فَاقَتِكَ ، وَتُرَدُّ
فِيهِ إِلَى وُجُودِ ذِلَّتِكَ .
102) مَتَى أَوْحَشَكَ مِنْ خَلْقِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَحَ
لَكَ بَابَ الأُنْسِ بِهِ .
103) مَتَى أَطْلَقَ لِسَانَكَ بِالطَّلَبِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يُعْطِيَكَ .
104) الْعَارِفُ لاَ يَزُولُ اضْطِرَارُهُ وَلاَ يَكُونُ مَعَ غَيْرِ اللهِ
قَرَارُهُ .
105) أَنَارَ الظَّوَاهِرَ بِأَنْوَارِ آَثَارِهِ ، وَأَنَارَ السَّرَائِرَ
بِأَنْوَارِ أَوْصَافِهِ ؛ لأَجْلِ ذَلِكَ أَفَلَتْ أَنْوَارُ الظَّوَاهِرِ ،
وَلَمْ تَأْفُلْ أَنْوَارُ الْقُلُوبِ وَالسَّرَائِرِ ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ :
إِنَّ شَمْسَ النَّهَارِ تَغْرُبُ بِاللَّيْـ
ـلِ وَشَمْسُ الْقُلُوبِ لَيْسَتْ تَغِيبُ
106) لِيُخَفِّفْ أَلَمَ الْبَلاَءِ عَلَيْكَ عِلْمُكَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ
الْمُبْلِى لَكَ فَالَّذِى وَاجَهَتْكَ مِنْهُ الأَقْدَارُ هُوَ الَّذِى عَوَّدَكَ
حُسْنَ الاَخْتِيَارِ .
107) مَنْ ظَنَّ انْفِكَاكَ لُطْفِهِ عَنْ قَدَرِهِ فَذَلِكَ لِقُصُورِ نَظَرِهِ .
108) لاَ يُخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَلْتَبِسَ الطُّرُقُ عَلَيْكَ ، وَإِنَّمَا
يُخَافُ عَلَيْكَ مِنْ غَلَبَةِ الْهَوَى عَلَيْكَ .
109) سُبْحَانَ مَنْ سَتَرَ سِرَّ الْخُصُوصِيَّةِ بِظُهُورِ الْبَشَرِيَّةِ ،
وَظَهَرَ بِعَظَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ فِى إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ .
110) لاَ تُطَالِبْ رَبَّكَ بِتَأَخُّرِ مَطْلَبِكَ ، وَلَكِنْ طَالِبْ نَفْسَكَ
بِتَأَخُّرِ أَدَبِكَ .
111) مَتَى جَعَلَكَ فِى الظَّاهِرِ مُمْتَثِلاً لأَمْرِهِ وَرَزَقَكَ فِى
الْبَاطِنِ الاسْتِسْلاَمَ لِقَهْرِهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْمِنَّةَ عَلَيْكَ .
112) لَيْسَ كُلُّ مَنْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ كَمَلَ تَخْلِيصُهُ .
113) لاَ يَسْتَحْقِرُ الْوِرْدَ إِلاَّ جَهُولٌ ، الْوَارِدُ يُوجَدُ فِى
الدَّارِ الآَخِرَةِ ، وَالْوِرْدُ يَنْطَوِى بِانْطِوَاءِ هَذِهِ الدَّارِ ،
وَأَوْلَى مَا يُعْتَنَى بِهِ مَا لاَ يُخْلَفُ وُجُودُهُ ، الْوِرْدُ هُوَ
طَالِبُهُ مِنْكَ ، وَالْوَارِدُ أَنْتَ تَطْلُبُهُ مِنْهُ ، وَأَيْنَ مَا هُوَ
طَالِبُهُ مِنْكَ مِمَّا هُوَ مَطْلَبُكَ مِنْهُ ؟
114) وُرُودُ الإِمْدَادِ بَحَسَبِ الاسْتِعْدَادِ ، وَشُرُوقُ الأَنْوَارِ عَلَى
حَسَبِ صَفَاءِ الأَسْرَارِ .
115) الْغَافِلُ إِذَا أَصْبَحَ يَنْظُرُ مَاذَا يَفْعَلُ، وَالْعَاقِلُ يَنْظُرُ
مَاذَا يَفْعَلُ اللهُ بِهِ .
116) إِنَّمَا يَسْتَوْحِشُ الْعُبَّادُ وَالزُّهَّادُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ
لِغَيْبَتِهِمْ عَنِ اللهِ فِى كُلِّ شَىْءٍ ، فَلَوْ شَهِدُوهُ فِى كُلِّ شَىْءٍ
لَمْ يَسْتَوْحِشُوا مِنْ شَىْءٍ .
117) أَمَرَكَ فِى هَذِهِ الدَّارِ بِالنَّظَرِ فِى مُكَوَّنَاتِهِ ، وَسَيَكْشِفُ
لَكَ فِى تِلْكَ الدَّارِ عَنْ كَمَالِ ذَاتِهِ .
118) عَلِمَ مِنْكَ أَنَّكَ لاَ تَصْبِرُ عَنْهُ ، فَأَشْهَدَكَ مَا بَرَزَ مِنْهُ
.
119) لَمَّا عَلِمَ الْحَقُّ مِنْكَ وُجُودَ الْمَلَلِ لَوَّنَ لَكَ الطَّاعَاتِ ،
وَعَلِمَ مَا فِيكَ مِنْ وُجُودِ الشَّرَهِ فَحَجَرَهَا عَلَيْكَ فِى بَعْضِ
الأَوْقَاتِ ؛ لِيَكُونَ هَمُّكَ إِقَامَةَ الصَّلاَةِ لاَ وُجُودَ الصَّلاَةِ ،
فَمَا كُلُّ مُصَلٍّ مُقِيمٌ .
120) الصَّلاَةُ طُهْرَةٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ أَدْنَاسِ الذُّنُوبِ ، وَاسْتِفْتَاحٌ
لِبَابِ الْغُيُوبِ .
121) الصَّلاَةُ مَحَلُّ الْمُنَاجَاةِ ، وَمَعْدِنُ الْمُصَافَاةِ ، تَتَّسِعُ
فِيهَا مَيَادِينُ الأَسْرَارِ وَتُشْرِقُ فِيهَا شَوَارِقُ الأَنْوَارِ .
122) عَلِمَ وُجُودَ الضَّعْفِ مِنْكَ فَقَلَّلَ أَعْدَادَهَا ، وَعَلِمَ
احْتِيَاجَكَ إِلَى فَضْلِهِ فَكَثَّرَ أَمْدَادَهَا .
123) مَتَى طَلَبْتَ عِوَضًا عَلَى عَمَلٍ طُولِبْتَ بِوُجُودِ الصِّدْقِ فِيهِ ،
وَيَكْفِى الْمُرِيبَ وِجْدَانُ السَّلاَمَةِ .
124) لاَ تَطْلُبْ عِوَضًا عَلَى عَمَلٍ لَسْتَ لَهُ فَاعِلاً ، يَكْفِى مِنَ
الْجَزَاءِ لَكَ عَلَى الْعَمَلِ أَنْ كَانَ لَهُ قَابِلاً .
125) إِذَا أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ فَضْلَهُ عَلَيْكَ خَلَقَ وَنَسَبَ إِلَيْكَ .
126) لاَ نِهَايَةَ لِمَذَامِّكَ إِنْ أَرْجَعَكَ إِلَيْكَ ، وَلاَ تَفْرُغُ
مَدَائِحُكَ إِنْ أَظْهَرَ جُودَهُ عَلَيْكَ .
127) كُنْ بِأَوْصَافِ رُبُوبِيَّتِهِ مُتَعَلِّقًا ، وَبِأَوْصَافِ
عُبُودِيَّتِكَ مُتَحَقِّقًا .
128) مَنَعَكَ أَنْ تَدَّعِىَ مَا لَيْسَ لَكَ مِمَّا لِلْمَخْلُوقِينَ ،
أَفَيُبِيحُ لَكَ أَنْ تَدَّعِىَ وَصْفَهُ وَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟
129) كَيْفَ تُخْرَقُ لَكَ الْعَوَائِدُ وَأَنْتَ لَمْ تَخْرُِقْ مِنْ نَفْسِكَ
الْعَوَائِدَ ؟
130) مَا الشَّأْنُ وُجُودُ الطَّلَبِ ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُرْزَقَ حُسْنَ
الأَدَبِ .
131) مَا طُلِبَ لَكَ شَىْءٌ مِثْلُ الاضْطِرَارِ ، وَلاَ أَسْرَعَ بِالْمَوَاهِبِ
إِلَيْكَ مِثْلُ الذِّلَّةِ وَالافْتِقَارِ .
132) لَوْ أَنَّكَ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ فَنَاءِ مَسَاوِيكَ وَمَحْوِ
دَعَاوِيكَ لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ أَبَدًا ؛ وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَصِّلَكَ
إِلَيْهِ غَطَّى وَصْفَكَ بِوَصْفِهِ ، وَنَعْتَكَ بِنَعْتِهِ ، فَوَصَلَكَ
إِلَيْهِ بِمَا مِنْهُ إِلَيْكَ ، لاَ بِمَا مِنْكَ إِلَيْهِ .
133) لَوْلاَ جَمِيلُ سَتْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ أَهْلاً لِلْقَبُولِ .
134) أَنْتَ إِلَى حِلْمِهِ إِذَا أَطَعْتَهُ أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَى حِلْمِهِ
إِذَا عَصَيْتَهُ .
135) السَّتْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ : سَتْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، وَسَتْرٌ فِيهَا ،
فَالْعَامَّةُ يَطْلُبُونَ مِنَ اللهِ تَعَالَى السَّتْرَ فِيهَا ؛ خَشْيَةَ
سُقُوطِ مَرْتَبَتِهِمْ عِنْدَ الْخَلْقِ ، وَالْخَاصَّةُ يَطْلُبُونَ مِنَ اللهِ
السَّتْرَ عَنْهَا ؛ خَشْيَةَ سُقُوطِهِمْ مِنْ نَظَرِ الْمَلِكِ الْحَقِّ .
136) مَنْ أَكْرَمَكَ إِنَّمَا أَكْرَمَ فِيكَ جَمِيلَ سَتْرِهِ ، فَالْحَمْدُ
لِمَنْ سَتَرَكَ لَيْسَ الْحَمْدُ لِمَنْ أَكْرَمَكَ وَشَكَرَكَ .
137) مَا صَحِبَكَ إِلاَّ مَنْ صَحِبَكَ وَهُوَ بِعَيْبِكَ عَلِيمٌ ، وَلَيْسَ
ذَلِكَ إِلاَّ مَوْلاَكَ الْكَرِيمُ ، خَيْرُ مَنْ تَصْحَبُ مَنْ يَطْلُبُكَ لاَ
لِشَىْءٍ يَعُودُ مِنْكَ إِلَيْهِ .
138) لَوْ أَشْرَقَ لَكَ نُورُ الْيَقِينِ لَرَأَيْتَ الآَخِرَةَ أَقْرَبَ
إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَرْحَلَ إِلَيْهَا ، وَلَرَأَيْتَ مَحَاسِنَ الدُّنْيَا قَدْ
ظَهَرَتْ كِسْفَةُ الْفَنَاءِ عَلَيْهَا .
139) مَا حَجَبَكَ عَنِ اللهِ وُجُودُ مَوْجُودٍ مَعَهُ ، وَلَكِنْ حَجَبَكَ
عَنْهُ تَوَهُّمُ مَوْجُودٍ مَعَهُ .
140) لَوْلاَ ظُهُورُهُ فِى الْمُكَوَّنَاتِ مَا وَقَعَ عَلَيْهَا وُجُودُ
أَبْصَارٍ ؛ لَوْ ظَهَرَتْ صِفَاتُهُ اضْمَحَلَّتْ مُكَوَّنَاتُهُ .
141) أَظْهَرَ كُلَّ شَىْءٍ لأَنَّهُ الْبَاطِنُ ، وَطَوَى وُجُودَ كُلِّ شَىْءٍ
لأَنَّهُ الظَّاهِرُ.
142) أَبَاحَ لَكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا فِى الْمُكَوَّنَاتِ وَمَا أَذِنَ لَكَ أَنْ
تَقِفَ مَعَ ذَوَاتِ الْمُكَوَّنَاتِ : {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَوَاتِ}
فَتَحَ لَكَ بَابَ الإِفْهَامِ وَلَمْ يَقُلْ : انْظُرُوا السَّمَوَاتِ ؛ لِئَلاَّ
يَدُلُّكَ عَلَى وُجُودِ الأَجْرَامِ .
143) الأَكْوَانُ ثَابِتَةٌ بِإِثْبَاتِهِ ، وَمَمْحُوَّةٌ بِأَحَدِيَّةِ ذَاتِهِ
.
144) النَّاسُ يَمْدَحُونَكَ لِمَا يَظُنُّونَهُ فِيكَ ، فَكُنْ أَنْتَ ذَامًّا
لِنَفْسِكَ لِمَا تَعْلَمُهُ مِنْهَا .
145) الْمُؤْمِنُ إِذَا مُدِحَ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُثْنَى
عَلَيْهِ بِوَصْفٍ لاَ يَشْهَدُهُ مِنْ نَفْسِهِ .
146) أَجْهَلُ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ يَقِينَ مَا عِنْدَهُ لِظَنِّ مَا عِنْدَ
النَّاسِ .
147) إِذَا أَطْلَقَ الثَّنَاءَ عَلَيْكَ وَلَسْتَ بِأَهْلٍ فَأَثْنِ عَلَيْهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ .
148) الزُّهَّادُ إِذَا مُدِحُوا انْقَبَضُوا ؛ لِشُهُودِهِمُ الثَّنَاءَ مِنَ
الْخَلْقِ ، وَالْعَارِفُونَ إِذَا مُدِحُوا انْبَسَطُوا لِشُهُودِهِمْ ذَلِكَ
مِنَ الْمَلِكِ الْحَقِّ .
149) مَتَى كُنْتَ إِذَا أُعْطِيتَ بَسَطَكَ الْعَطَاءُ ، وَإِذَا مُنِعْتَ
قَبَضَكَ الْمَنْعُ فَاسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ طُفُولِيَّتِكَ وَعَدَمِ
صِدْقِكَ فِى عُبُودِيَّتِكَ .
150) إِذَا وَقَعَ مِنْكَ ذَنْبٌ فَلاَ يَكُنْ سَبَبًا لِيَأْسِكَ مِنْ حُصُولِ
الاسْتِقَامَةِ مَعَ رَبِّكَ ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ آَخِرَ ذَنْبٍ قُدِّرَ
عَلَيْكَ .
151) إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَفْتَحَ لَكَ بَابَ الرَّجَاءِ فَاشْهَدْ مَا مِنْهُ
إِلَيْكَ ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَفْتَحَ لَكَ بَابَ الْخَوْفِ فَاشْهَدْ مَا
مِنْكَ إِلَيْهِ .
152) رُبَّمَا أَفَادَكَ فِى لَيْلِ الْقَبْضِ مَا لَمْ تَسْتَفِدْهُ فِى
إِشْرَاقِ نَهَارِ الْبَسْطِ {لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} .
153) مَطَالِعُ الأَنْوَارِ الْقُلُوبُ وَالأَسْرَارُ.
154) نُورٌ مُسْتَوْدَعٌ فِى الْقُلُوبِ مَدَدُهُ مِنَ النُّورِ الْوَارِدِ مِنْ
خَزَائِنِ الْغُيُوبِ .
155) نُورٌ يَكْشِفُ لَكَ بِهِ عَنْ آَثَارِهِ ، وَنُورٌ يَكْشِفُ لَكَ بِهِ عَنْ
أَوْصَافِهِ .
156) رُبَّمَا وَقَفَتِ الْقُلُوبُ مَعَ الأَنْوَارِ كَمَا حُجِبَتِ النُّفُوسُ
بِكَثَائِفِ الأَغْيَارِ .
157) سَتَرَ أَنْوَارَ السَّرَائِرِ بِكَثَائِفِ الظَّوَاهِرِ ؛ إِجْلاَلاً لَهَا
أَنْ تُبْتَذَلَ بِوُجُودِ الإِظْهَارِ وَأَنْ يُنَادَى عَلَيْهَا بِلِسَانِ
الاشْتِهَارِ .
158) سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الدَّلِيلَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ إِلاَّ مِنْ
حَيْثُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُوصِلْ إِلَيْهِمْ إِلاَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ
يُوصِلَهُ إِلَيْهِ .
159) رُبَّمَا أَطْلَعَكَ عَلَى غَيْبِ مَلَكُوتِهِ ، وَحَجَبَ عَنْكَ
الاسْتِشْرَافَ عَلَى أَسْرَارِ الْعِبَادِ .
160) مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِ الْعِبَادِ وَلَمْ يَتَخَلَّقْ بِالرَّحْمَةِ
الإِلَهِيَّةِ كَانَ اطِّلاَعُهُ فِتْنَةً عَلَيْهِ ، وَسَبَبًا لِجَرِّ
الْوَبَالِ إِلَيْهِ .
161) حَظُّ النَّفْسِ فِى الْمَعْصِيَةِ ظَاهِرٌ جَلِىٌّ ، وَحَظُّهَا فِى
الطَّاعَةِ بَاطِنٌ خَفِىٌّ ، وَمُدَاوَاةُ مَا يَخْفَى صَعْبٌ عِلاَجُهُ .
162) رُبَّمَا دَخَلَ الرِّيَاءُ عَلَيْكَ مِنْ حَيْثُ لاَ يَنْظُرُ الْخَلْقُ
إِلَيْكَ .
163) اسْتِشْرَافُكَ أَنْ يَعْلَمَ الْخَلْقُ بِخُصُوصِيَّتِكَ دَلِيلٌ عَلَى
عَدَمِ صِدْقِكَ فِى عُبُودِيَّتِكَ .
164) غَيِّبْ نَظَرَ الْخَلْقِ إِلَيْكَ بِنَظَرِ اللهِ إِلَيْكَ ، وَغِبْ عَنْ
إِقْبَالِهِمْ عَلَيْكَ بِشُهُودِ إِقْبَالِهِ عَلَيْكَ .
165) مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ شَهِدَهُ فِى كُلِّ شَىْءٍ ، وَمَنْ فَنِىَ بِهِ غَابَ
عَنْ كُلِّ شَىْءٍ ، وَمَنْ أَحَبَّهُ لَمْ يُؤْثِرْ عَلَيْهِ شَيْئًا.
166) إِنَّمَا حَجَبَ الْحَقَّ عَنْكَ شِدَّةُ قُرْبِهِ مِنْكَ .
167) إِنَّمَا احْتَجَبَ لِشِدَّةِ ظُهُورِهِ ، وَخَفِىَ عَنِ الأَبْصَارِ
لِعِظَمِ نُورِهِ .
168) لاَ يَكُنْ طَلَبُكَ تَسَبُّبًا إِلَى الْعَطَاءِ مِنْهُ فَيَقِلَّ فَهْمُكَ
عَنْهُ ، وَلْيَكُنْ طَلَبُكَ لإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيَامًا بِحُقُوقِ
الرُّبُوبِيَّةِ .
169) كَيْفَ يَكُونُ طَلَبُكَ اللاَّحِقُ سَبَبًا فِى عَطَائِهِ السَّابِقِ ؟
170) جَلَّ حُكْمُ الأَزَلِ أَنْ يَنْضَافَ إِلَى الْعِلَلِ .
171) عِنَايَتُهُ فِيكَ لاَ لِشَىْءٍ مِنْكَ وَأَيْنَ كُنْتَ حِينَ وَاجَهَتْكَ
عِنَايَتُهُ وَقَابَلَتْكَ رِعَايَتُهُ ؛ لَمْ يَكُنْ فِى أَزَلِهِ إِخْلاَصُ
أَعْمَالٍ وَلاَ وُجُودُ أَحْوَالٍ ، بَلْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِلاَّ مَحْضَ
الإِفْضَالِ وَعَظِيمَ النَّوالِ .
172) عَلِمَ أَنَّ الْعِبَادَ يَتَشَوَّفُونَ إِلَى ظُهُورِ سِرِّ الْعِنَايَةِ فَقَالَ
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَلاَّهُمْ وَذَلِكَ
لَتَرَكُوا الْعَمَلَ اعْتِمَادًا عَلَى الأَزَلِ فَقَالَ {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ
قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} .
173) إِلَى الْمَشِيئَةِ يَسْتَنِدُ كُلُّ شَىْءٍ وَلاَ تَسْتَنِدُ هِىَ إِلَى
شَىْءٍ .
174) رُبَّمَا دَلَّهُمُ الأَدَبُ عَلَى تَرْكِ الطَّلَبِ اعْتِمَادًا عَلَى
قِسْمَتِهِ وَاشْتِغَالاً بِذِكْرِهِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ .
175) إِنَّمَا يُذَكَّرُ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الإِغْفَالُ ، وَإِنَّمَا
يُنَبَّهُ مَنْ يُمْكِنُ مِنْهُ الإِهْمَالُ .
176) وُرُودُ الْفَاقَاتِ أَعْيَادُ الْمُرِيدِينَ .
177) رُبَّمَا وَجَدْتَ مِنَ الْمَزِيدِ فِى الْفَاقَاتِ مَا لاَ تَجِدُهُ فِى
الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ .
178) الْفَاقَاتُ بُسُطُ الْمَوَاهِبِ .
179) إِنْ أَرَدْتَ وُرُودَ الْمَوَاهِبِ عَلَيْكَ صَحِّحِ الْفَقْرَ وَالْفَاقَةَ
لَدَيْكَ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} .
180) تَحَقَّقْ بِأَوْصَافِكَ يَمُدُّكَ بِأَوْصَافِهِ. تَحَقَّقْ بِذُلِّكَ
يَمُدُّكَ بِعِزِّهِ . تَحَقَّقْ بِعَجْزِكَ يَمُدُّكَ بِقُدْرَتِهِ . تَحَقَّقْ
بِضَعْفِكَ يَمُدُّكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ .
181) رُبَّمَا رُزِقَ الْكَرَامَةَ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ لَهُ الاسْتِقَامَةُ .
182) مِنْ عَلاَمَاتِ إِقَامَةِ الْحَقِّ لَكَ فِى الشَّىْءِ : إِقَامَتُهُ
إِيَّاكَ فِيهِ مَعَ حُصُولِ النَّتَائِجِ .
183) مَنَ عَبَّرَ مِنْ بِسَاطِ إِحْسَانِهِ أَصْمَتَتْهُ الإِسَاءَةُ ، وَمَنْ
عَبَّرَ مِنْ بِسَاطِ إِحْسَانِ اللهِ إِلَيْهِ لَمْ يَصْمُتْ إِذَا أَسَاءَ .
184) تَسْبِقُ أَنْوَارُ الْحُكَمَاءِ أَقْوَالَهُمْ ، فَحَيْثُ صَارَ
التَّنْوِيرُ وَصَلَ التَّعْبِيرُ .
185) كُلُّ كَلاَمٍ يَبْرُزُ وَعَلَيْهِ كِسْوَةُ الْقَلْبِ الَّذِى مِنْهُ بَرَزَ
.
186) مَنْ أَذِنَ لَهُ فِى التَّعْبِيرِ فُهِمَتْ فِى مَسَامِعِ الْخَلْقِ
عِبَارَتُهُ ، وَجُلِّيَتْ إِلَيْهِمْ إِشَارَتُهُ .
187) رُبَّمَا بَرَزَتِ الْحَقَائِقُ مَكْسُوفَةَ الأَنْوَارِ إِذَا لَمْ يُؤْذَنْ
لَكَ فِيهَا بِالإِظْهَارِ .
188) عِبَارَاتُهُمْ إِمَّا لِفَيَضَانِ وَجْدٍ ، أَوْ لِقَصْدِ هِدَايَةِ مُرِيدٍ
، فَالأَوَّلُ حَالُ السَّالِكِينَ ، وَالثَّانِى حَالُ أَرْبَابِ الْمُكْنَةِ
وَالْمُحَقِّقِينَ .
189) الْعِبَارَاتُ قُوتٌ لِعَائِلَةِ الْمُسْتَمِعِينَ وَلَيْسَ لَكَ إِلاَّ مَا
أَنْتَ لَهُ آَكِلٌ .
190) رُبَّمَا عَبَّرَ عَنِ الْمَقَامِ مَنِ اسْتَشْرَفَ عَلَيْهِ ، وَرُبَّمَا
عَبَّرَ عَنْهُ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مُلْتَبَِسٌ إِلاَّ عَلَى صَاحِبِ
بَصِيرَةٍ .
191) لاَ يَنْبَغِى لِلسَّالِكِ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَارِدَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ
يُقِلُّ عَمَلَهَا فِى قَلْبِهِ وَيَمْنَعُهُ وُجُودَ الصِّدْقِ مَعَ رَبِّهِ .
192) لاَ تَمُدَّنَّ يَدَكَ إِلَى الأَخْذِ مِنَ الْخَلاَئِقِ إِلاَّ أَنْ تَرَى
أَنَّ الْمُعْطِىَ فِيهِمْ مَوْلاَكَ ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَخُذْ مَا
وَافَقَكَ الْعِلْمُ .
193) رُبَّمَا اسْتَحْيَا الْعَارِفُ أَنْ يَرْفَعَ حَاجَتَهُ إِلَى مَوْلاَهُ
لاكْتِفَائِهِ بِمَشِيئَتِهِ فَكَيْفَ لاَ يَسْتَحْيِى أَنْ يَرْفَعَهَا إِلَى
خَلِيقَتِهِ ؟
194) إِذَا الْتَبَسَ عَلَيْكَ أَمْرَانِ فَانْظُرْ أَثْقَلَهُمَا عَلَى النَّفْسِ
فَاتَّبِعْهُ ، فَإِنَّهُ لاَ يَثْقُلُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَا كَانَ حَقًّا .
195) مِنْ عَلاَمَاتِ اتِّبَاعِ الْهَوَى الْمُسَارَعَةُ إِلَى نَوَافِلِ
الْخَيْرَاتِ ، وَالتَّكَاسُلُ عَنِ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ .
196) قَيَّدَ الطَّاعَاتِ بِأَعْيَانِ الأَوْقَاتِ كَىْ لاَ يَمْنَعُكَ عَنْهَا
وُجُودُ التَّسْوِيف ِ، وَوَسَّعَ عَلَيْكَ الْوَقْتَ كَىْ تَبْقَى لَكَ حِصَّةُ
الاخْتِيَارِ .
197) عَلِمَ قِلَّةَ نُهُوضِ الْعِبَادِ إِلَى مُعَامَلَتِهِ فَأْوَجَبَ عَلَيْهِمْ
وُجُودَ طَاعَتِهِ فَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ بِسَلاَسِلِ الإِيجَابِ ، عَجِبَ رَبُّكَ
مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلاَسِلِ .
198) أَوْجَبَ عَلَيْكَ وُجُودَ خِدْمَتِهِ ، وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكَ إِلاَّ
دُخُولَ جَنَّتِهِ .
199) مَنِ اسْتَغْرَبَ أَنْ يُنْقِذَهُ اللهُ مِنْ شَهْوَتِهِ وَأَنْ يُخْرِجَهُ
مِنْ وُجُودِ غَفْلَتِهِ فَقَدِ اسْتَعْجَزَ الْقُدْرَةَ الإِلَهِيَّةَ {وَكَانَ
اللهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا}.
200) رُبَّمَا وَرَدَتِ الظُّلَمُ عَلَيْكَ لِيُعَرِّفَكَ قَدْرَ مَا مَنَّ بِهِ
عَلَيْكَ .
201) مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ النِّعَمِ بِوِجْدَانِهَا ، عَرَفَهَا بِوُجُودِ
فُقْدَانِهَا .
202) لاَ تُدْهِشْكَ وَارِدَاتُ النِّعَمِ عَنِ الْقِيامِ بِحُقُوقِ شُكْرِكَ
فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحُطُّ مِنْ وُجُودِ قَدْرِكَ .
203) تَمَكُّنُ حَلاَوَةِ الْهَوَى مِنَ الْقَلْبِ هُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ .
204) لاَ يُخْرِجُ الشَّهْوَةَ مِنَ الْقَلْبِ إَلاَّ خَوْفٌ مُزْعِجٌ ، أَوْ
شَوْقٌ مُقْلِقٌ .
205) كَمَا لاَ يُحِبُّ الْعَمَلَ الْمُشْتَرَكَ كَذَلِكَ لاَ يُحِبُّ الْقَلْبَ
الْمُشْتَرَكَ ، الْعَمَلُ الْمُشْتَرَكُ لاَ يَقْبَلُهُ ، وَالْقَلْبُ
الْمُشْتَرَكُ لاَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ .
206) أَنْوَارٌ أَذِنَ لَهَا فِى الْوُصُولِ ، وَأَنْوَارٌ أَذِنَ لَهَا فِى
الدُّخُولِ .
207) رُبَّمَا وَرَدَتْ عَلَيْكَ الأَنْوَارُ فَوَجَدَتِ الْقَلْبَ مَحْشُوًّا
بِصُوَرِ الآَثَارِ فَارْتَحَلَتْ مِنْ حَيْثُ نَزَلَتْ .
208) فَرِّغْ قَلْبَكَ مِنَ الأَغْيَارِ يَمْلأْهُ بِالْمَعَارِفِ وَالأَسْرَارِ .
209) لاَ تَسْتَبْطِئْ مِنْهُ النَّوَالَ ، وَلَكِنْ اسْتَبْطِئْ مِنْ نَفْسِكَ
وُجُودَ الإِقْبَالِ .
210) حُقُوقٌ فِى الأَوْقَاتِ يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا ، وَحُقُوقُ الأَوْقَاتِ لاَ
يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا ، إِذْ مَا مِنْ وَقْتٍ يَرِدُ إِلاَّ وَلِلَّهِ عَلَيْكَ
فِيهِ حَقٌّ جَدِيدٌ ، وَأَمْرٌ أَكِيدٌ ، فَكَيْفَ تَقْضِى فِيهِ حَقَّ غَيْرِهِ
وَأَنْتَ لَمْ تَقْضِ حَقَّ اللهِ فِيهِ ؟
211) مَا فَاتَ مِنْ عُمْرِكَ لاَ عِوَضَ لَهُ ، وَمَا حَصَلَ لَكَ مِنْهُ لاَ
قِيمَةَ لَهُ .
212) مَا أَحْبَبْتَ شَيْئًا إِلاَّ كُنْتَ لَهُ عَبْدًا ، وَهُوَ لاَ يُحِبُّ
أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ عَبْدًا .
213) لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَتُكَ وَلاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَتُكَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَكَ
بِهَذِهِ وَنَهَاكَ عَنْ هَذِهِ لِمَا يَعُودُ عَلَيْكَ .
214) لاَ يَزِيدُ فِى عِزِّهِ إِقْبَالُ مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَنْقُصُ
مِنْ عِزِّهِ إِدْبَارُ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ .
215) وُصُولُكَ إِلَى اللهِ وُصُولُكَ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ ، وَإِلاَّ فَجَلَّ
رَبُّنَا أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ شَىْءٌ ، أَوْ يَتَّصِلَ هُوَ بِشَىْءٍ .
216) قُرْبُكَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ مُشَاهِدًا لِقُرْبِهِ ، وَإِلاَّ فَمِنْ
أَيْنَ أَنْتَ وَوُجُودُ قُرْبِهِ ؟
217) الْحَقَائِقُ تَرِدُ فِى حَالِ التَّجَلِّى مُجْمَلَةً ، وَبَعْدَ الْوَعْىِ
يَكُونُ الْبَيَانُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ
عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
218) مَتَى وَرَدَتِ الْوَارِدَاتُ الإِلَهِيَّةُ عَلَيْكَ هَدَمَتِ الْعَوَائِدَ
عَلَيْكَ {إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} .
219) الْوَارِدُ يَأْتِى مِنْ حَضْرَةِ قَهَّارٍ ؛ لأَجْلِ ذَلِكَ لاَ يُصَادِمُهُ
شَىْءٌ إِلاَّ دَمَغَهُ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} .
220) كَيْفَ يَحْتَجِبُ الْحَقُّ بِشَىْءٍ وَالَّذِى يَحْتَجِبُ بِهِ هُوَ فِيهِ
ظَاهِرٌ وَمَوجُودٌ حَاضِرٌ ؟
221) لاَ تَيْأَسْ مِنْ قَبُولِ عَمَلٍ لَمْ تَجِدْ فِيهِ وُجُودَ الْحُضُورِ ،
فَرُبَّمَا قَبِلَ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَمْ تُدْرِكْ ثَمَرَتَهُ عَاجِلاً .
222) لاَ تُزَكِّيَنَّ وَارِدًا لاَ تَعْلَمُ ثَمَرَتَهُ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ
مِنَ السَّحَابَةِ الإِمْطَارَ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهَا وُجُودُ
الإِثْمَارِ .
223) لاَ تَطْلُبَنَّ بَقَاءَ الْوَارِدَاتِ بَعْدَ أَنْ بَسَطَتْ أَنْوَارَهَا ،
وَأَوْدَعَتْ أَسْرَارَهَا ، فَلَكَ فِى اللهِ غِنًى عَنْ كُلِّ شَىْءٍ ، وَلَيْسَ
يُغْنِيكَ عَنْهُ شَىْءٌ .
224) تَطَلُّعُكَ إِلَى بَقَاءِ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِكَ لَهُ ،
وَاسْتِيحَاشُكَ لِفُقْدَانِ مَا سِوَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُصْلَتِكَ بِهِ .
225) النَّعِيمُ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ مَظَاهِرُهُ إِنَّمَا هُوَ بِشُهُودِهِ
وَاقْتِرَابِهِ ، وَالْعَذَابُ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ مَظَاهِرُهُ إِنَّمَا هُوَ
بِوُجُودِ حِجَابِهِ ، فَسَبَبُ الْعَذَابِ وُجُودُ الْحِجَابِ ، وَإِتْمَامُ
النَّعِيمِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ .
226) مَا تَجِدُهُ الْقُلُوبُ مِنَ الْهُمُومِ وَالأَحْزَانِ فَلأَجْلِ مَا
مُنِعَتْ مِنْ وُجُودِ الْعَيَانِ .
227) مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ أَنْ يَرْزُقَكَ مَا يَكْفِيكَ ،
وَيَمْنَعَكَ مَا يُطْغِيكَ .
228) لِيَقِلَّ مَا تَفْرَحُ بِهِ يَقِلَّ مَا تَحْزَنُ عَلَيْهِ .
229) إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لاَ تُعْزَلَ فَلاَ تَتَوَلَّ وِلاَيَةً لاَ تَدُومُ لَكَ
.
230) إِنْ رَغَّبَتْكَ الْبِدَايَاتُ زَهَّدَتْكَ النِّهَايَاتُ ، إِنْ دَعَاكَ
إِلَيْهَا ظَاهِرٌ نَهَاكَ عَنْهَا بَاطِنٌ .
231) إِنَّمَا جَعَلَهَا مَحَلاًّ لِلأَغْيَارِ ، وَمَعْدِنًا لِلأَكْدَارِ
تَزْهِيدًا لَكَ فِيهَا .
232) عَلِمَ أَنَّكَ لاَ تَقْبَلُ النُّصْحَ الْمُجَرَّدَ فَذَوَّقَكَ مِنْ
ذَوَاقِهَا مَا يُسَهِّلُ عَلَيْكَ وُجُودَ فِرَاقِهَا .
233) الْعِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الَّذِى يَنْبَسِطُ فِى الصَّدْرِ شُعَاعُهُ ،
وَيَنْكَشِفُ بِهِ عَنِ الْقَلْبِ قِنَاعُهُ .
234) خَيْرُ الْعِلْمِ مَا كَانَتِ الْخَشْيَةُ مَعَهُ .
235) الْعِِلْمُ إِنْ قَارَنَتْهُ الْخَشْيَةُ فَلَكَ ، وَإِلاَّ فَعَلَيْكَ .
236) مَتَى آَلَمَكَ عَدَمُ إِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْكَ أَوْ تَوَجُّهُهُمْ
بِالذَّمِّ إِلَيْكَ فَارْجِعْ إِلَى عِلْمِ اللهِ فِيكَ ، فَإِنْ كَانَ لاَ
يُقْنِعُكَ عِلْمُهُ فَمُصِيبَتُكَ بِعَدَمِ قَنَاعَتِكَ بِعِلْمِهِ أَشَدُّ مِنْ
مُصِيبَتِكَ بِوُجُودِ الأَذَى مِنْهُمْ .
237) إِنَّمَا أَجْرَى الأَذَى عَلَى أَيْدِيهِمْ كَيْلاَ تَكُونَ سَاكِنًا
إِلَيْهِمْ ، أَرَادَ أَنْ يُزْعِجَكَ عَنْ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى لاَ يَشْغَلَكَ
عَنْهُ شَىْءٌ .
238) إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَغْفُلُ عَنْكَ فَلاَ تَغْفُلْ
أَنْتَ عَمَّنْ نَاصِيَتُكَ بِيَدِهِ .
239) جَعَلَهُ لَكَ عَدُوًّا لِيَحُوشَكَ بِهِ إِلَيْهِ ، وَحَرَّكَ عَلَيْكَ
النَّفْسَ لِيَدُومَ إِقْبَالُكَ عَلَيْهِ .
240) مَنْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ تَوَاضُعًا فَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ حَقًّا ، إِذْ
لَيْسَ التَّوَاضُعُ إِلاَّ عَنْ رِفْعَةٍ ، فَمَتَى أَثْبَتَّ لِنَفْسِكَ
تَوَاضُعًا فَأَنْتَ الْمُتَكَبِّرُ حَقًّا .
241) لَيْسَ الْمُتَوَاضِعُ الَّذِى إِذَا تَوَاضَعَ رَأَى أَنَّهُ فَوْقَ مَا
صَنَعَ ، وَلَكِنَّ الْمُتَوَاضِعَ الَّذِى إِذَا تَوَاضَعَ رَأَى أَنَّهُ دُونَ
مَا صَنَعَ .
242) التَّوَاضُعُ الْحَقِيقِىُّ هُوَ مَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ شُهُودِ عَظَمَتِهِ
وَتَجَلِّى صِفَتِهِ .
243) لاَ يُخْرِجُكَ عَنِ الْوَصْفِ إِلاَّ شُهُودُ الْوَصْفِ .
244) الْمُؤْمِنُ يَشْغَلُهُ الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ
لِنَفْسِهِ شَاكِرًا ، وَتَشْغَلُهُ حُقُوقُ اللهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِحُظُوظِهِ
ذَاكِرًا .
245) لَيْسَ الْمُحِبُّ الَّذِى يَرْجُو مِنْ مَحْبُوبِهِ عِوَضًا ، أَوْ يَطْلُبُ
مِنْهُ غَرَضًا ، فَإِنَّ الْمُحِبَّ مَنْ يَبْذُلُ لَكَ ، لَيْسَ الْمُحِبُّ مَنْ
تَبْذُلُ لَهُ .
246) لَوْلاَ مَيَادِينُ النُّفُوسِ مَا تَحَقَّقَ سَيْرُ السَّائِرينَ ، إِذْ لاَ
مَسَافَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حَتَّى تَطْوِيَهَا رِحْلَتُكَ ، وَلاَ قُطْعَةَ
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حَتَّى تَمْحُوَهَا وُصْلَتُكَ .
247) جَعَلَكَ فِى الْعَالَمِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ مُلْكِهِ وَمَلَكُوتِهِ
لِيُعْلِمَكَ جَلاَلَةَ قَدْرِكَ بَيْنَ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَأَنَّكَ جَوْهَرَةٌ
تَنْطَوِى عَلَيْكَ أَصْدَافُ مُكَوَّنَاتِهِ .
248) إِنَّمَا وَسِعَكَ الْكَوْنُ مِنْ حَيْثُ جُسْمَانِيَّتِكَ ، وَلَمْ يَسَعْكَ
مِنْ حَيْثُ ثُبُوتِ رُوْحَانِيَّتِكَ .
249) الْكَائِنُ فِى الْكَوْنِ وَلَمْ تُفْتَحْ لَهُ مَيَادِينُ الْغُيُوبِ
مَسْجُونٌ بِمُحِيطَاتِهِ وَمَحْصُورٌ فِى هَيْكَلِ ذَاتِهِ .
250) أَنْتَ مَعَ الأَكْوَانِ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْمُكَوِّنَ ، فَإِذَا
شَهِدْتَهُ كَانَتِ الأَكْوَانُ مَعَكَ .
251) لاَ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخُصُوصِيَّةِ عَدَمُ وَصْفِ الْبَشَرِيَّةِ ،
إِنَّمَا مَثَلُ الْخُصُوصِيَّةِ كَإِشْرَاقِ شَمْسِ النَّهَارِ ظَهَرَتْ فِى
الأُفُقِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ ، تَارَةً تُشْرِقُ شُمُوسُ أَوْصَافِهِ عَلَى لَيْلِ
وُجُودِكَ ، وَتَارَةً يَقْبِضُ ذَلِكَ عَنْكَ فَيَرُدُّكَ إِلَى حُدُودِكَ ،
فَالنَّهَارُ لَيْسَ مِنْكَ وَإِلَيْكَ ، وَلَكِنَّهُ وَارِدٌ عَلَيْكَ .
252) دَلَّ بِوُجُودِ آَثَارِهِ عَلَى وُجُودِ أَسْمَائِهِ ، وَبِوُجُودِ
أَسْمَائِهِ عَلَى ثُبُوتِ أَوْصَافِهِ ، وَبِثُبُوتِ أَوْصَافِهِ عَلَى وُجُودِ
ذَاتِهِ ، إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَقُومَ الْوَصْفُ بِنَفْسِهِ ، فَأَرْبَابُ
الْجَذْبِ يَكْشِفُ لَهُمْ عَنْ كَمَالِ ذَاتِهِ ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلَى
شُهُودِ صِفَاتِهِ ، ثُمَّ يُرْجِعُهُمْ إِلَى التَّعَلُّقِ بِأَسْمَائِهِ ، ثُمَّ
يَرُدُّهُمْ إِلَى شُهُودِ آَثَارِهِ ، وَالسَّالِكُونَ عَلَى عَكْسِ هَذَا ،
فَنِهَايَةُ السَّالِكِينَ بِدَايَةُ الْمَجْذُوبِينَ ، وَبِدَايَةُ السَّالِكِينَ
نِهَايَةُ الْمَجْذُوبِينَ ؛ لَكِنْ لاَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَرُبَّمَا
الْتَقَيَا فِى الطَّرِيقِ ، هَذَا فِى تَرَقِّيهِ ، وَهَذَا فِى تَدَلِّيهِ .
253) لاَ يُعْلَمُ قَدْرُ أَنْوَارِ الْقُلُوبِ وَالأَسْرَارِ إِلاَّ فِى غَيْبِ
الْمَلَكُوتِ ، كَمَا لاَ تَظْهَرُ أَنْوَارُ السَّمَاءِ إِلاَّ فِى شَهَادَةِ
الْمُلْكِ .
254) وِجْدَانُ ثَمَرَاتِ الطَّاعَاتِ عَاجِلاً بَشَائِرُ الْعَامِلِينَ بِوُجُودِ
الْجَزَاءِ عَلَيْهَا آجِلاً .
255) كَيْفَ تَطْلُبُ الْعِوَضَ عَلَى عَمَلٍ هُوَ مُتَصَدِّقٌ بِهِ عَلَيْكَ ؟
أَمْ كَيْفَ تَطْلُبُ الْجَزَاءَ عَلَى صِدْقٍ هُـوَ مُهْدِيهِ إِلَيْكَ ؟
256) قَوْمٌ تَسْبِقُ أَنْوَارُهُمْ أَذْكَارَهُمْ ، وَقَوْمٌ تَسْبِقُ
أَذْكَارُهُمْ أَنْوَارَهُمْ ، وَقَوْمٌ تَتَسَاوَى أَذْكَارُهُمْ وَأَنْوَارُهُمْ
، وَقَوْمٌ لاَ أَذْكَارَ وَلاَ أَنْوَارَ ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ .
257) ذَاكِرٌ ذَكَرَ لِيَسْتَنِيرَ بِهِ قَلْبُهُ فَكَانَ ذَاكِرًا ، وَذَاكِرٌ
اسْتَنَارَ قَلْبُهُ فَكَانَ ذَاكِرًا ، وَالَّذِى اسْتَوَتْ أَذْكَارُهُ
وَأَنْوَارُهُ فَبِذِكْرِهِ يُهْتَدَى ، وَبِنُورِهِ يُقْتَدَى .
258) مَا كَانَ ظَاهِرُ ذِكْرٍ إِلاَّ عَنْ بَاطِنِ شُهُودٍ وفِكْرٍ .
259) أَشْهَدَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَشْهِدَكَ ، فنَطَقَتْ بِإِلَهِيَّتِهِ
الظَّوَاهِرُ ، وَتَحَقَّقَتْ بِأَحَدِيَّتِهِ الْقُلُوبُ وَالسَّرَائِرُ .
260) أَكْرَمَكَ بِكَرَامَاتٍ ثَلاَثٍ : جَعَلَكَ ذَاكِرًا لَهُ ، وَلَوْلاَ
فَضْلُهُ لَمْ تَكُنْ أَهْلاً لِجَرَيَانِ ذِكْرِهِ عَلَيْكَ . وَجَعَلَكَ
مَذْكُورًا بِهِ ، إِذْ حَقَّقَ نِسْبَتَهُ لَدَيْكَ . وَجَعَلَكَ مَذْكُورًا
عِنْدَهُ فَتَمَّمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ .
261) رُبَّ عُمُْرٍ اتَّسَعَتْ آَمَادُهُ وَقَلَّتْ أَمْدَادُهُ ، وَرُبَّ عُمُْرٍ
قَلِيلَةٌ آَمَادُهُ كَثِيرَةٌ أَمْدَادُهُ .
262) مَنْ بُورِكَ لَهُ فِى عُمُْرِهِ أَدْرَكَ فِى يَسِيرٍ مِنَ الزَّمَنِ مِنْ
مِنَنِ اللهِ تَعَالَى مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ دَوَائِرِ الْعِبَارَةِ ، وَلاَ
تَلْحَقُهُ الإِشَارَةُ .
263) الْخُذْلاَنُ كُلُّ الْخُذْلاَنِ أَنْ تَتَفَرَّغَ مِنَ الشَّوَاغِلِ ثُمَّ
لاَ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ ، وَتَقِلُّ عَوَائِقُكَ ثُمَّ لاَ تَرْحَلُ إِلَيْهِ .
264) الْفِكْرَةُ سَيْرُ الْقَلْبِ فِى مَيَادِينِ الأَغْيَارِ .
265) الْفِكْرَةُ سِرَاجُ الْقَلْبِ ، فَإِذَا ذَهَبَتْ فَلاَ إِضَاءَةَ لَهُ .
266) الْفِكْرَةُ فِكْرَتَانِ : فِكْرَةُ تَصْدِيقٍ وَإِيمَانٍ ، وَفِكْرَةُ
شُهُودٍ وَعَيَانٍ ، فَالأُولَى لأَرْبَابِ الاعْتِبَارِ ، وَالثَّانِيَةُ
لأَرْبَابِ الشُّهُودِ وَالاسْتِبْصَارِ .
1- وَكَتَبَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
الْبِدَايَاتِ مَجَلاَّتُ النِّهَايَاتِ ، وَإِنَّ مَنْ كَانَتْ بِاللهِ
بِدَايَتُهُ كَانَتْ إِلَيْهِ نِهَايَتُهُ ، وَالْمُشْتَغَلُ بِهِ هُوَ الَّذِى
أَحْبَبْتَهُ وَسَارَعْتَ إِلَيْهِ ، وَالْمُشْتَغَلُ عَنْهُ هُوَ الْمُؤْثَرُ
عَلَيْهِ ، وَإِنَّ مَنْ أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ يَطْلُبُهُ صَدَقَ الطَّلَبَ
إِلَيْهِ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الأُمُورَ بِيَدِ اللهِ انْجَمَعَ بِالتَّوَكُّلِ
عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُ لاَ بُدَّ لِبِنَاءِ هَذَا الْوُجُودِ أَنْ تَنْهَدِمَ
دَعَائِمُهُ ، وَأَنْ تُسْلَبَ كَرَائِمُهُ ، فَالْعَاقِلُ مَنْ كَانَ بِمَا هُوَ
أَبْقَى أَفْرَحَ مِنْهُ بِمَا هُوَ يَفْنَى ، قَدْ أَشْرَقَ نُورُهُ ، وَظَهَرَتْ
تَبَاشِيرُهُ ، فَصَدَفَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ مُغْضِيًا ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا
مُوَلِّيًا ، فَلَمْ يَتَّخِذْهَا وَطَنًا وَلاَ جَعَلَهَا سَكَنًا ، بَلْ
أَنْهَضَ الْهِمَّةَ فِيهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى ، وَسَارَ فِيهَا مُسْتَعِينًا
بِهِ فِى الْقُدُومِ عَلَيْهِ ، فَمَا زَالَتْ مَطِيَّةُ عَزْمِهِ لاَ يَقَرُّ
قَرَارُهَا دَائِمًا تِسْيَارُهَا إِلَى أَنْ أَنَاخَتْ بِحَضْرَةِ الْقُدْسِ
وَبِسَاطِ الأُنْسِ مَحَلَّ الْمُفَاتَحَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ وَالْمُجَالَسَةِ
وَالْمُحَادَثَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمُطَالَعَةِ ، فَصَارَتِ الْحَضْرَةُ
مُعَشَّشَ قُلُوبِهِمْ ، إِلَيْهَا يَأْوُونَ ، وَفِيهَا يَسْكُنُونَ ، فَإِذَا
نَزَلُوا إِلَى سَمَاءِ الْحُقُوقِ وَأَرْضِ الْحُظُوظِ فَبِالإِذْنِ
وَالتَّمْكِينِ وَالرُّسُوخِ فِى الْيَقِينِ ، فَلَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الْحُقُوقِ
بِسُوءِ الأَدَبِ وَالْغَفْلَةِ ، وَلاَ إِلَى الْحُظُوظِ بِالشَّهْوَةِ
وَالْمُتْعَةِ ، بَلْ دَخَلُوا فِى ذَلِكَ كُلِّهِ بِاللهِ وَللهِ وَمِنَ اللهِ
وَإِلَى اللهِ . {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى
مُخْرَجَ صِدْقٍ} لِيَكُونَ نَظَرِى إِلَى حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ إِذَا
أَدْخَلْتَنِى ، وَاسْتِسْلاَمِى وَانْقِيَادِى إِلَيْكَ إِذَا أَخْرَجْتَنِى ،
{وَاجْعَل لِّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} يَنْصُرُنِى وَيَنْصُرُ بِى
وَلاَ يَنْصُرُ عَلَىَّ ، يَنْصُرُنِى عَلَى شُهُودِ نَفْسِى وَيُفْنِينِى عَنْ
دَائِرَةِ حِسِّى .
2- وَمِمَّا كَتَبَ بِهِ إِلَى بَعْضِ إِخْوَانِهِ : إِنْ كَانَتْ عَيْنُ
الْقَلْبِ تَنْظُرُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِى مِنَّتِهِ ، فَالشَّرِيعَةُ تَقْتَضِى
أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ شُكْرِ خَلِيقَتِهِ . وَأَنَّ النَّاسَ فِى ذَلِكَ عَلَى
ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ : – غَافِلٍ مُنْهَمِكٍ فِى غَفْلَتِهِ قَوِيَتْ دَائِرَةُ
حِسِّهِ وَانْطَمَسَتْ حَضْرَةُ قُدْسِهِ فَنَظَرَ الإِحْسَانَ مِنَ
الْمَخْلُوقِينَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، إِمَّا اعْتِقَادًا
فَشِرْكُهُ جَلِىٌّ ، وَإِمَّا اسْتِنَادًا فَشِرْكُهُ خَفِىٌّ . – وَصَاحِبِ
حَقِيقَةٍ غَابَ عَنِ الْخَلْقِ بِشُهُودِ الْمَلِكِ الْحَقِّ وَفَنِىَ عَنِ
الأَسْبَابِ بِشُهُودِ مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ ، فَهُوَ عَبْدٌ مُوَاجَهٌ
بِالْحَقِيقَةِ ، ظَاهِرٌ عَلَيْهِ سَنَاهَا ، سَالِكٌ لِلطَّرِيقَةِ قَدِ
اسْتَوْلَى عَلَى مَدَاهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ غَرِيقُ الأَنْوَارِ ، مَطْمُوسُ
الآَثَارِ ، قَدْ غَلَبَ سُكْرُهُ عَلَى صَحْوِهِ ، وَجَمْعُهُ عَلَى فَرْقِهِ ،
وَفَنَاؤُهُ عَلَى بَقَائِهِ ، وَغَيْبَتُهُ عَلَى حُضُورِهِ . – وَأَكْمَلِ
مِنْهُ عَبْدٍ شَرِبَ فَازْدَادَ صَحْوًا ، وَغَابَ فَازْدَادَ حُضُورًا ، فَلا
َجَمْعُهُ يَحْجُبُهُ عَنْ فَرْقِهِ ، وَلاَ فَرْقُهُ يَحْجُبُهُ عَنْ جَمْعِهِ ، وَلاَ
فَنَاؤُهُ يَصُدُّهُ عَنْ بَقَائِهِ ، وَلاَ بَقَاؤُهُ يَصُدُّهُ عَنْ فَنَائِهِ ،
يُعْطِى كُلَّ ذِى قِسْطٍ قِسْطَهُ ، وَيُوَفِّى كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ . وَقَدْ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِىَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ لِعَائِشَةَ رَضِىَ
اللهُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَتُهَا مِنَ الإِفْكِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَائِشَةَ اشْكُرِى رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : وَاللهِ لاَ أَشْكُرُ إِلاَّ اللهَ
. دَلَّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْمَقَامِ
الأَكْمَلِ مَقَامِ الْبَقَاءِ الْمُقْتَضِى لإِثْبَاتِ الآَثَارِ ، وَقَدْ قَالَ
اللهُ تَعَالَى : {أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ} ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ))
وَكَانَتْ هِىَ فِى ذَلِكَ الْوَقْتِ مُصْطَلِمَةً عَنْ شَاهِدِهَا ، غَائِبَةً
عَنِ الآَثَارِ فَلَمْ تَشْهَدْ إِلاَّ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ .
3- وَلَمَّا سُئِلَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : وَجُعِلَتْ قُرَّةَ عَيْنِى فِى الصَّلاَةِ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لِغَيْرِهِ مِنْهُ شِرْبٌ ونَصِيبٌ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ : إِنَّ قُرَّةَ الْعَيْنِ بِالشُّهُودِ عَلَى قَدْرِ
الْمَعْرفَِةِ بِالْمَشْهُودِ ، فَالرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ
وَسَلاَمُهُ لَيْسَ مَعْرِفَةُ غَيْرِهِ كَمَعْرِفَتِهِ ، فَلَيْسَ قُرَّةُ عَيْنٍ
كَقُرَّتِهِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِى صَلاَتِهِ بِشُهُودِ
جَلاَلِ مَشْهُودِهِ ؛ لأَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِى
الصَّلاَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِالصَّلاَةِ ، إِذْ هُوَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ
وَسَلاَمُهُ لاَ تَقَرُّ عَيْنُهُ بِغَيْرِ رَبِّهِ ، وَكَيْفَ وَهُوَ يَدُلُّ
عَلَى هَذَا الْمَقَامِ وَيَأْمُرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُ بِقَوْلِهِ صَلَوَاتُ اللهِ
عَلَيْهِ وَسَلاَمُهُ : اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَرَاهُ
وَيَشْهَدَ مَعَهُ سِوَاهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ تَكُونُ قُرَّةُ
الْعَيْنِ بِالصَّلاَةِ ؛ لأَنَّهَا فَضْلٌ مِنَ اللهِ ، وَبَارِزَةٌ مِنْ عَيْنِ
مِنَّةِ اللهِ ، فَكَيْفَ لاَ يَفْرَحُ بِهَا ؟ وَكَيْفَ لاَ تَكُونُ قُرَّةُ
الْعَيْنِ بِهَا وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} الآيَة ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ الآَيَةَ قَدْ أَوْمَأَتْ
إِلَى الْجَوَابِ لِمَنْ تَدَبَّرَ سِرَّ الْخِطَابِ إِذْ قَالَ {فَبِذَلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا} وَمَا قَالَ : فَبِذَلِكَ فَافْرَحْ يَا مُحَمَّدُ ، قُلْ لَهُمْ
فَلْيَفْرَحُوا بِالإِحْسَانِ وَالتَّفَضُّلِ وَلْيَكُنْ فَرَحُكَ أَنْتَ
بِالْمُتَفَضِّلِ كَمَا قَالَ فِى الآَيَةِ الأُخْرَى : {قُلِ اللهُ ثُمَّ
ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
4- وَكَتَبَ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ : النَّاسُ فِى وُرُودِ الْمِنَنِ عَلَى
ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ : فَرِحٌ بِالْمِنَنِ لاَ مِنْ حَيْثُ مُهْدِيهَا
وَمُنْشِئِهَا وَلَكِنْ بِوُجُودِ مُتْعَتِهِ فِيهَا ، فَهَذَا مِنَ الْغَافِلِينَ
، يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا
أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} . وَفَرِحٌ بِالْمِنَنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَهِدَهَا
مِنَّةً مِمَّنْ أَرْسَلَهَا وَنِعْمَةً مِمَّنْ أَوْصَلَهَا ، يَصْدُقُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى : {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} . وَفَرِحٌ بِاللهِ مَا شَغَلَهُ مِنَ الْمِنَنِ
ظَاهِرُ مُتْعَتِهَا وَلاَ بَاطِنُ مِنَّتِهَا ؛ بَلْ شَغَلَهُ النَّظَرُ إِلَى
اللهِ عَمَّا سِوَاهُ وَالْجَمْعُ عَلَيْهِ ، فَلاَ يَشْهَدُ إِلاَّ إِيَّاهُ ،
يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : {قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ
يَلْعَبُونَ} . وَقَدْ أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ : يَا دَاودُ قُلْ لِلصِّدِّيقِينَ بِى فَلْيَفْرَحُوا وَبِذِكْرِى
فَلْيَتَنَعَّمُوا . وَاللهُ تَعَالَى يَجْعَلُ فَرَحَنَا وَإِيَّاكُمْ بِهِ ،
وَالرِّضَا مِنْهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ عَنْهُ ، وَأَنْ
لاَ يَجْعَلَنَا مِنَ الْغَافِلِينَ ، وَأَنْ يَسْلُكَ بِنَا مَسَالِكَ
الْمُتَّقِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .
5- وَمِنْ مُنَاجَاتِهِ رَضِىَ اللهُ عَنْه ُ:
إِلَهِى أَنَا الْفَقِيرُ فِى غِنَاىَ فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ فَقِيرًا فِى فَقْرِى
؟ إِلَهِى أَنَا الْجَاهِلُ فِى عِلْمِى فَكَيْفَ لاَ أَكُونُ جَهُولاً فِى
جَهْلِى ؟ إِلَهِى إِنَّ اخْتِلاَفَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ حُلُولِ مَقَادِيرِكَ
مَنَعَا عِبَادَكَ الْعَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلَى عَطَاءٍ ،
وَالْيَأْسِ مِنْكَ فِى بَلاَءٍ . إِلَهِى مِنِّى مَا يَلِيقُ بِلُؤْمِى ،
وَمِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ . إِلَهِى وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ
وَالرَّأْفَةِ بِى قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِى ، أَفَتَمْنَعُنِى مِنْهُمَا بَعْدَ
وُجُودِ ضَعْفِى ؟ إِلَهِى إِنْ ظَهَرَتِ الْمَحَاسِنُ مِنِّى فَبِفَضْلِكَ ،
وَلَكَ الْمِنَّةُ عَلَىَّ ، وَإِنْ ظَهَرَتِ الْمَسَاوِئُ فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ
الْحُجَّةُ عَلَىَّ. إِلَهِى كَيْفَ تَكِِلُنِى إِلَى نَفْسِى وَقَدْ تَوَكَّلْتَ
لِى ، وَكَيْفَ أُضَامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِى ، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ
الِحَفِىُّ بِى ؟ هَا أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِى إِلَيْكَ ، وَكَيْفَ
أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ
أَشْكُو إِلَيْكَ حَالِى وَهِىَ لاَ تَخْفَى عَلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ
لَكَ بِمَقَالِى وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ تَخِيبُ آَمَالِى
وَهِىَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ ؟ أَمْ كَيْفَ لاَ تَحْسُنُ أَحْوَالِى وَبِكَ
قَامَتْ وَإِلَيْكَ ؟ إِلَهِى مَا أَلْطَفَكَ بِى مَعَ عَظِيمِ جَهْلِى ، وَمَا
أَرْحَمَكَ بِى مَعَ قَبِيحِ فِعْلِى ، إِلَهِى مَا أَقْرَبَكَ مِنِّى وَمَا
أَبْعَدَنِى عَنْكَ ، إِلَهِى مَا أَرْأَفَكَ بِى ! فَمَا الَّذِى يَحْجُبُنِى
عَنْكَ ؟ إِلَهِى قَدْ عَلِمْتُ بِاخْتِلاَفِ الآَثَارِ وَتَنَقُّلاَتِ
الأَطْوَارِ أَنَّ مُرَادَكَ مِنِّى أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَىَّ فِى كُلِّ شَىْءٍ
حَتَّى لاَ أَجْهَلَكَ فِى شَىْءٍ . إِلَهِى كُلَّمَا أَخْرَسَنِى لُؤْمِى
أَنْطَقَنِى كَرَمُكَ وَكُلَّمَا آيَسَتْنِى أَوْصَافِى أَطْمَعَتْنِى مِنَّتُكَ .
إِلَهِى مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِىَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ مَسَاوِيهِ
مَسَاوِىَ ؟ وَمَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوِىَ فَكَيْفَ لاَ تَكُونُ
دَعَاوِيهِ دَعَاوِىَ ؟ إِلَهِى حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيئَتُكَ الْقَاهِرَةُ
لَمْ يَتْرُكَا لِذِى مَقَالٍ مَقَالاً ، وَلاَ لِذِى حَالٍ حَالاً . إِلَهِى كَمْ
مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُهَا وَحَالَةٍ شَيَّدْتُهَا هَدَمَ اعْتِمَادِى عَلَيْهَا
عَدْلُكَ ، بَلْ أَقَالَنِى مِنْهَا فَضْلُكَ . إِلَهِى أَنْتَ تَعْلَمُ وَإِنْ
لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّى فِعْلاً جَزْمًا فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً
وَعَزْمًا . إِلَهِى كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الْقَاهِرُ ؟ وَكَيْفَ لاَ أَعْزِمُ
وَأَنْتَ الآَمِرُ ؟ إِلَهِى تَرَدُّدِى فِى الآَثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزَارِ
فَاجْمَعْنِى عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِى إِلَيْكَ . إِلَهِى كَيْفَ
يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ ؟ أَيَكُونُ
لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرُ لَكَ
؟ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ ؟ وَمَتَى
بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآَثَارُ هِىَ الَّتِى تُوصِلُ إِلَيْكَ ؟ إِلَهِى
عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيبًا ، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ
لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيبًا . إِلَهِى أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَى
الآَثَارِ فَارْجِعْنِى إِلَيْهَا بِكُسْوَةِ الأَنْوَارِ وَهِدَايَةِ
الاسْتِبْصَارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْهَا
مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا ، وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ
الاعْتِمَادِ عَلَيْهَا ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ . إِلَهِى هَذَا
ذُلِّى ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَهَذَا حَالِى لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ ، مِنْكَ أَطْلُبُ
الْوُصُولَ إِلَيْكَ ، وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ ، فَاهْدِنِى بِنُورِكَ
إِلَيْكَ ، وَأَقِمْنِى بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ . إِلَهِى
عَلِّمْنِى مِنْ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ ، وَصُنِّى بِسِرِّ اسْمِكَ الْمَصُونِ .
إِلَهِى حَقِّقْنِى بِحَقَائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ ، وَاسْلُكْ بِى مَسَالِكَ
أَهْلِ الْجَذْبِ . إِلَهِى أَغْنِنِى بِتَدْبِيرِكَ عَنْ تَدْبِيرِى ،
وَبِاخْتِيَارِكَ لِى عَنِ اخْتِيَارِى ، وَأَوْقِفْنِى عَلَى مَرَاكِزِ
اضْطِرَارِى . إِلَهِى أَخْرِجْنِى مِنْ ذُلِّ نَفْسِى ، وَطَهِّرْنِى مِنْ شَكِّى
وَشِرْكِى قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِى . بِكَ أَسْتَنْصِرُ فَانْصُرْنِى ، وَعَلَيْكَ
أَتَوَكَّلُ فَلاَ تَكِلْنِى وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلاَ تُخَيِّبْنِى ، وَفِى
فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلاَ تَحْرِمْنِى ، وَلِجَنَابِكَ أَنْتَسِبُ فَلاَ
تُبْعِدْنِى ، وَبِبَابِكَ أَقِفُ فَلاَ تَطْرُدْنِى . إِلَهِى تَقَدَّسَ رِضَاكَ
عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّى ؟
أَنْتَ الْغَنِىُّ بِذَاتِكَ عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ
لاَ تَكُونُ غَنِيًّا عَنِّى ؟ إِلَهِى إِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ غَلَبَنِى
وَإِنَّ الْهَوَى بِوَثَائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِى ، فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ
لِى حَتَّى تَنْصُرَنِى وَتَنْصُرَ بِى ، وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ حَتَّى
أَسْتَغْنِىَ بِكَ عَنْ طَلَبِى . أَنْتَ الَّذِى أَشْرَقْتَ الأَنْوَارَ فِى
قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ ، وَأَنْتَ الَّذِى أَزَلْتَ
الأَغْيَارَ مِنْ قُلُوبِ أَحْبَابِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ وَلَمْ
يَلْجَئُوا إِلَى غَيْرِكَ ، أَنْتَ الْمُؤْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ
الْعَوَالِمُ ، وَأَنْتَ الَّذِى هَدَيْتَهُمْ حَتَّى اسْتَبَانَتْ لَهُمُ
الْمَعَالِمُ . مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ ؟ وَمَا الَّذِى فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ
؟ لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً ، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَى عَنْكَ
مُتَحَوَّلاً . إِلَهِى كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَأَنْتَ مَا قَطَعْتَ الإِحْسَانَ
؟ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الامْتِنَانِ ؟
يَا مَنْ أَذَاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلاَوَةَ مُؤَانَسَتِهِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ
مُتَمَلِّقِينَ ، وَيَا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيَاءَهُ مَلاَبِسَ هَيْبَتِهِ
فَقَامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزِّينَ . أَنْتَ الذَّاكِرُ مِنْ قَبْلِ
الذَّاكِرِينَ ، وَأَنْتَ الْبَادِئُ بِالإِحْسَانِ مِنْ قَبْلِ تَوَجُّهِ
الْعَابِدِينَ ، وَأَنْتَ الْجَوَّادُ بِالْعَطَاءِ مِنْ قَبْلِ طَلَبِ
الطَّالِبِينَ ، وَأَنْتَ الْوَهَّابُ ثُمَّ أَنْتَ لِمَا وَهَبْتَنَا مِنَ
الْمُسْتَقْرِضِينَ . إِلَهِى اطْلُبْنِى بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ ،
وَاجْذِبْنِى بِمِنَّتِكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ . إِلَهِى إِنَّ رَجَائِى لاَ
يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ ، كَمَا أَنَّ خَوْفِى لاَ يُزَايِلُنِى
وَإِنْ أَطَعْتُكَ . إِلَهِى قَدْ دَفَعَتْنِى الْعَوَالِمُ إِلَيْكَ ، وَقَدْ
أَوْقَفَنِى عِلْمِى بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ . إِلَهِى كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ
أَمَلِى ؟ أَمْ كَيْفَ أُهَانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِى ؟ إِلَهِى كَيْفَ
أَسْتَعِزُّ وَأَنْتَ فِى الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِى ؟ أَمْ كَيْفَ لاَ أَسْتَعِزُّ
وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِى ؟ أَمْ كَيْفَ لاَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِى فِى
الْفَقْرِ أَقَمْتَنِى ؟ أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِى بِجُودِكَ
أَغْنَيْتَنِى ؟ أَنْتَ الَّذِى لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفَْتَ لِكُلِّ شَىْءٍ
فَمَا جَهِلَكَ شَىْءٌ ، وَأَنْتَ الَّذِى تَعَرَّفْتَ إِلَىَّ فِى كُلِّ شَىْءٍ
فَرَأَيْتُكَ ظَاهِرًا فِى كُلِّ شَىْءٍ فَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَىْءٍ . يَا
مَنِ اسْتَوَى بِرَحْمَانِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَصَارَ الْعَرْشُ غَيْبًا فِى
رَحْمَانِيَّتِهِ كَمَا صَارَتِ الْعَوَالِمُ غَيْبًا فِى عَرْشِهِ . مَحَقْتَ
الآَثَارَ بِالآَثَارِ ، وَمَحَوْتَ الأَغْيَارَ بِمُحِيطَاتِ أَفْلاَكِ
الأَنْوَارِ ، يَا مَنِ احْتَجَبَ فِى سُرَادِقَاتِ عِزِّهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ
الأَبْصَارُ ، يَا مَنْ تَجَلَّى بِكَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتَهُ
الأَسْرَارُ . كَيْفَ تَخْفَى وَأَنْتَ الظَّاهِرُ ؟ أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ
الرَّقِيبُ الْحَاضِرُ ؟ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ وَبِهِ أَسْتَعِينُ .
تم الكتاب بحمد الله نسأل الله
النفع به
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
Not: Bazen Büyük Dosyaları tarayıcı açmayabilir...İndirerek okumaya Çalışınız.
Yorumlar