Print Friendly and PDF

Dureru’l-Gavvâs alâ Fetâvâ Sîdî Ali el-Havvâs

 




 

ترجمة المصنف

هو أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن زرقا بن موسى ابن السلطان أحمد التلمساني الشافعي المصري، المعروف بالشعراني. محدث، فقيه، صوفي. توفي في جمادى الأولى من سنة ٩٧٣ه.

له من المصنفات :

-                   الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية.

-                   الأخلاق الزكية والعلوم اللدنية.

-                   الأخلاق المتبولية المفاضة من الحضرة المحمدية.

-                   إرشاد المغفلين من الفقهاء والفقراء إلى شروط صحبة الأمراء .

-                   الأنوار القدسية فى معرفة آداب العبودية.

-                   البحر المورود في الموائيق والعهود.

-                   البروق وا لخواطف.

-                   تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء.

-                   تنبيه المغترين في القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر.

-                   الجواهر والدرر.

-                   الجوهر المصون والسر المرقوم فيما تنتجه الخلوة من الأسرار والعلوم.

-                   حقوق أخوة الإسلام.

-                   درر الغواص في فتاوى سيدي علي الخواص. وهو الكتاب الذي بين أيدينا.

-                   الدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة.

-                   ردع الفقرا عن دعوى الولاية الكبرى.

-                   الدرر واللمع في الصدق والورع.

-                   السراج المنير في غرائب أحاديث البشير النذير.

-                   سر المسير والتزود ليوم المصير.

-                   السر المرقوم فيما اختص به أهل الله من العلوم.

-                   شرح جمع الجوامع للسبكي في الفروع.

-                   الطراز الأبهج على خطبة المنهج.

-                   طهارة الجسم والفؤاد من سوء الظن بالله تعالى والعباد. (١)هدية العارفين (٦٤١/١، ٦٤٢).


-                   علامات الخذلان على من لم يعمل بالقران.

-                   الفتح المبين في ذكر جملة من أسرار الدين.

-                   فتح الوهاب في فضائل الآل والأصحاب.

-                   فرائد القلائد في علم العقائد.

-                   القواعد الكشفية الموضحات لمعاني صفات الإلهية.

-                   القول المبين في بيان آداب الطالبين.

-                   القول المبين في الرد على الشيخ محيي الدين.

-                   الكبريت الأحمر في علوم الشيخ الأكبر.

-                   كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان.

-                   كشف الغمة عن جميع الأمة، في الحديث.

-                   لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى على الإطلاق.

-                   لواقح الأنوار في طبقات السادة الأخيار.

-                   لواقح الأنوار القدسية المنتخب من الفتوحات المكية.

-                   المآثر والمفاخر في علماء القرن العاشر.

-                   مختصر الألفية لابن مالك في النحو.

-                   مختصر المدونة في الفروع المالكية.

-                   مشارق الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية.

-                   مقتحم الأكباد في مواد الاجتهاد.

-                   المقدمة النحوية في علم العربية.

-                   منع الموانع.

-                   المنهج المبين في أخلاق العارفين.

-                   منهج الصدق والتحقيق في تفليس غالب المدعين للطريق.

-                   المنهج المبين في بيان أدلة الأئمة المجتهدين.

-                   الميزان الكبرى الشعرانية المدخلة لجميع أقوال الأئمة المجتهدين ومقلديهم في الشريعة المحمدية.

-                   اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر.

-                   النور الفارق بين المريد الصادق وغير الصادق .

-                   هادي الحائرين إلى رسوم أخلاق العارفين.

……

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلام.

وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.

الحمد لله رب العالمين على كل حال.

والصلاة والتسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان .

وبعد ٠

فهذه نبذة صالحة من فتاوى شيخنا وقدوتنا ولي الله تعالى الكامل الراسخ الأمي المحمدي سيدي علي الخواص أعاد الله علينا وعلى المسلمين من بركاته وبركات علومه في الدنيا والآخرة التي سألته عنها مدة صحبتي له مترجماً عن معنى بعضها لكونه رضى الله عنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب فلسانه يشبه لسان السرياني تارة والعبري تارة فإذا علمت أن الجواب لا يدرك إلا ذوقاً ذكرت جوابه بلفظه من غير شرح لمعناه نظير الحروف أول سور القرآن العظيم ثم لا يخفى أن الشيخ رضي الله عنه كان من كمل الأولياء والكمل لا يسترون لهم قولاً لأن رتبتهم تقتضي الإطلاق والسراح وعدم التحير في معنى دون آخر كما عليه المقلدون فلذلك كان الكمل لا يرون في الوجود شيئاً باطنا حيث ظهر الحق تعالى لهذا المظهر التقييدي الذي هو أتم المظاهر ولا يرون فيه شيئاً له باطن وظاهر أبداً فإن هذا المشهد إنما هو من صفة أرباب الأحوال والمقامات الذين يرون الظاهر والباطن للحجاب هم ماكثون فيه بين حقيقتي الإسم الظاهر والباطن وهو البرزخ(١) الفاصل بين عالم الغيب والشهادة وأما الكمل فإنهم يعلمون أن المسمى بالباطن هو المسمى بالظاهر حال كونه باطناً ويعلمون أن المسمى بالظاهر هو المسمى بالباطن حال كونه ظاهراً وكذلك القول في بقية الأسماء لأنهم على مشهد من علم الأسماء والصفات لا يصح لنا شرحه إلا لأهله والكتاب يقع في يد أهله وغير أهله.

واعلم يا أخي أنه لا يمكنني استحضار جميع ما سمعته منه من العلوم والمعارف لكثرة ننسياني وضعف جناني فمن سمع من إخواننا شيئاً من أجوبة الشيخ فليكتبه في هذه الرسالة لكن بلفظ الشيخ خاصة ولا يتصرف في عبارته فإنه لا مرقى إلى فهم كلامه إلا من

(١) البرزخ: هو الحاجز بين الشيئين أو ما ين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى يوم البعث.

السلم الذي صعد منه الشيخ وأنى لأمثالنا ذلك.

وأسأل الله أن يحفظ لساني وقلبي من الزيغ عن مراده رضي الله عنه إنه سميع مجيب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وسميتها بدرر الغواص على فتاوى سيدي علي الخواص:

نفع الله بها مؤلفها وسامعها وكاتبها إنه قريب مجيب إذا علمت ذلك فأقول وبالله التوفيق سألت سيدي علياً الخواص رضي الله عنه عن الخواطر القبيحة هل تقع للخواص كما هي واقعة للعوام أم لا فقال رضي الله عنه لا يقع للكمل إلا الخواطر التي تناسب مقامهم فلا يشاركون العامة في الخواطر التي تطرقهم لا في المحاسن ولا في القبائح لارتفاع الكمل عن مشهد العامة والخواطر تابعة للمشاهد مع أن العارف الكامل متحقق أيضاً بجميع الأخلاق الإلهية فإن في حقيقتها ذاتها لعدم التنزيه كان الله ولا شيء معه وليست كان من الأفعال الماضية وإنما المراد بها كان الوجودية وهذه الرتبة هي مطمح شهود القطب وله النصيب الأتم من مقام العبودية لأنه منزه من أن ينحصر في وصف دون آخر من حال أو مقام قال الله تعالى: ويئأهل دب لا مقام لك4 [الأحزاب: ١٣] الآية.

ثم اعلم أن العارف لما كان مستنداً إلى الذات بحقيقة الإطلاقية وإلى الصفات بحقيقة التقييدية كان طرو الخواطر والوهم من حقيقة الصفات لأنها طالبة للكثرة مفتقرة إلى التمييز وهو لا يكون إلا بالنور المبين لحقائق الأشياء ومراتبها لأنه آخر مراتب الظهور.

وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ [يس: ٣٧] .

…..[لإسراء:١٢].

وإيضاح ذلك أن الوجود لما كان ذاتياً للحق عارضاً للخلق افتقرت أعيان الموجودات إلى الذات إذ هم صفاتها وبها تعين وصفها با لألوهية وتعينها بالربوبية وقد استهلكت حقيقة العارف تلك الأعيان الدالة على ذاتها فلذلك كان غير العارف يتميز عن العارف بالخواطر التي تناقض مقامه لارتفاع العارف عن أن يؤثر فيه حال أو مقام بخلاف غير العارف من أرباب الأحوال أو غيرهم فإن خواطرهم بحسب أحوالهم ومواطنهم فإن ورد الخاطر على أحدهم والحق قيوم بقلبه انقلب الخاطر من حقيقة إلى حقيقة تغلبها ذلك الآن تعرج صورة مطلقة غير مدركة لأحد من العالمين وإن ورد الخاطر على قلب العبد وهو فارغ وكان ثم داع كغلبة حال أو سكر فهو بحسب قوة الداعي وتمكنه وصفاء محله فإن التمكين ظهر الخاطر صورة روحانية يعرج الاسم الداعي لظهور أثره في صورة يقتضيها الاستعداد في ذلك الحال إلى حيث استقرار محل الأعمال وإن ورد الخاطر على القلب وهو مستهلك في حقيقة النفس وأريد الظهور بحسب الداعي ظهرت صورة مخصوصة إما ملكية أو حيوانية وتعرج إلى حيث استقرار محل أعمال النفوس وإن ورد الخاطر والعوالم الإنسانية تحت قهر الشهوة والشيطان ظهرت صورة نارية شيطانية إلى محل استقرارها وهو تحت مقر فلك القمر إلى أن يعد لها الله بعمل صالح في صورة ملك فتصعد.

وبيان ذلك إجمالاً وتفصيلاً أن الخواطر تتلون بلون العامل كتلون الماء بلون الإناء فإن كان الإناء شفافاً ظهر التلون صورة محسوسة وإن لم يكن كذلك فلا يرى الماء ولو كان متلوناً بنفسه لكن هنا دقيقة وهو الإناء سواء كان لطيفاً أو كثيفاً ليس إلا الماء قال تعالى: روجعلكا ين آلدأتم كل شنء حم» [لأنبياء: ٣٠] ولما كان الماء فيه قوة التشكل والظهور بكل صورة كان أحدي الذات وأحدي الصفات وانفعلت الأشياء وهو عنها كما قال تسقى بماء واحد فوصفه بالواحدية واقتضت حقيقته أن يكون مادة لمجموع العالم وبعدمه يكون عدمها فتأمل كيف بالواحدية ثم بالحياة فما سبب الحياة حقيقة إلا العلم وهو مثال نصبه الحق تعالى بلسان الستر لوجوده وظهور خلقه في أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم أي المسمى بالواحد وهو إناء نماء ذات واحد صفات < ساريهلح ءاييتنا فى ألأفاق وفى أنفيبم حق يتبين لهم» [فصلت: ٢٥٣ رب العالمين إنه الحق الواحد المسمى في العدد بالمراتب فعلم أن الإناء ماء وسعه غيره بل ليس غيره متمحضاً للغيرية خلاف ما عليه المتصوفة من أهل هذا الزمان القائلون ببينونة الحق من عبده مطلقاً حتى يجعلونه قائماً بنفسه فيكون العالم في جهة والحق في جهة تعالى الله عن التحيز ومن هنا نبذوا من خواطرهم لزعمهم أنها خارجة عن الحق شاغلة لهم عن الحق تعالى وربما سألوا ربهم أن يرفعها عنهم بخلاف العارفين لأن العارف يتلقى كل خاطر قبيح من الحق تعالى ويبادر إلى تلقيه لكونه حديثاً بربه ولكونه يعلم أن النقص في الخاطر إنما جاء من حيث نقص القوابل عن كمال الاستعداد ويعلم أيضاً أن الخاطر بمنزلة الرسول المعلم والهادي إلى طريق الله تعالى كما أشار إلى ذلك سيدي عمر بن الفارض( ) رضي الله عنه بقوله .

عسى عطفة منكم علي بنظرة فقد تعبت بيني وبينكم الرسل.

فتأمل ذلك فإنه نفيس والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه عن قوله : وفحواً ءاية أيل 4 [الإسراء: ٢١٢ ما المراد بالمحو فقال تكون أو ستر لا أدري أي اللفظين قال وقد تم لي الجواب بذلك لأنه راجع إلى الحس والحس أصدق شاهد.

…. [يس: ٠٢٣٧

(١ ) هو عمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة أبو حفص وأبو القاسم، شرف الدين ابن الفارض (٥٧٦ - ٦٣٢ ه= ١١٨١ - ١٢٣٥م) أشعر المتصوفين يلقب بسلطان العاشقين له (ديوان شعر) ولي نيابة الحكم بمصر فغلب عليه التلقيب بالفارض.

الأعلام (٥٥/٥) وفيات الأعيان (٣٨٣/١).

وسألته رضي الله عنه : عما يقول العلماء من الناسخ والمنسوخ في الحديث بالتاريخ هل ذلك يمما رضاه رسول الله يليف فقال رضي الله عنه : كلامهم في ذلك غير لائق برتبة رسول الله ا لأنه كان يترقى في الزمن الفرد إلى مقامات لا يبلغها الإحصاء فكل حديث قاله في زمن ما إنما قاله بلسان ذلك المقام الذي هو فيه ومقاماته ٠٠ غير محصورة ولا مدركة لنا وذلك لسعة إطلاقه عليه الصلاة والسلام وإفاضة الحق عليه ما يعجز عن حمله جميع الأنبياء والمرسلين.

وانظر إلى أجوبته ا للسائلين.

بالأجوبة المتغايرة مع اتحاد الأسئلة فعلم أن ذلك إنما كان لعلمه باستعداد كل سائل وما يقبله تخفيفا وتشديدا كل ذلك لمصاحبة اسمه تعالى الحكم العدل له في جميع حالاته يلفة وأطال في ذلك.

ثم قال أدل دليل على معرفة ذات المتكلم وصفاته وانظر إلى قوله ا: «أوتيت جوامع الكلم»( ) تعرف إحاطة كلامه لجميع الكلام وكما أوتي جوامع الكلم فكذلك أوتي جميع الصفات والأخلاق بحسب أنه توفرت فيه مادة كل نبي ورسول وإن لم يظهر ذلك لنا في هذه الدار لأن الخصيص بظهور رتبته فل إنما هو اليوم المعهود يوم الفصل والقضاء ليكون الحكم له بخصوصه في ذلك اليوم من غير مشاركة أحد من الخلق له في ذلك فعلم أنه لو تصور سؤال جميع الخلق له سؤالاً واحداً لأجاب كل واحد منهم جواباً على حسب حاله ومقامه ويؤيد ذلك تعليمه لبعض الصحابة الأدعية المختلفة في الحال والأحكام المختلفة بحسب دوائهم فلم يكن ذلك منه إلا لقصد صحيح ولم يكن ذلك اتفاقية وأطال في ذلك.

ثم قال واعلم أن من العارفين من يعلم حكمة الحديث الواحد من سائر الوجوه فإن للحديث من جهة الحق تعالى حكم ومن جهة الخلق حكم ومن جهة الرسول حكم بل يعلم المراد منه عند جميع الأئمة ومقلديهم ويراه يقبل ذلك كله فلا يخرج عنه معنى من المعاني التي قالوها ويعلم أيضاً رتبة الراوي لذلك الحديث بعينه ورتبته في رواية أخرى وهكذا في كل ما يرويه فله في كل حديث رتبة ومقام وحال فليس عند أهل هذا المقام حديث يناقض آخر جملة واحدة إنما قال بالتناقض من قصر نظره على الإحاطة برتبة كلامه ا.

وسألته رضي الله عته: عن قول أحمد بن حنبل( ) رضي الله عنه رأيت ربي عز

(١) أخرجه البخاري (تعبير ١١) ومسلم مساجد (٥) وأحمد بن حنبل (٢، ٢٥٠، ٤١٢، ٤٢٢، ٥,١)

(٢) هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله التياني الوائلي (١٦٤-٢٤١ ه= ٧٨٠-٨٥٥م) إمام


وجل فقلت له يا رب بم يتقرب إليك المتقربون قال : يا أحمد بكلامي قلت : يا رب بفهم أم بغير فهم فقال تعالى: بفهم وبغير فهم انتهى. فما المراد بقوله تعالى: بفهم وبغير فهم فقال رضي الله تعالى عنه : قوله تعالى : بفهم خاص بعلماء الشريعة المطهرة وبغير فهم خاص بعلماء الحقيقة وهم كمل العارفين إذ العارفون ليس لهم آلة إلى فهم كلام ربهم أو غيره إلا بالكشف والذوق لا الفهم والفكر ومرادنا بهذا الكشف هو كشف العلوم والمعارف الحاصل بالنفث والروع لا الكشف المعهود في الحس بين أرباب الأحوال فإن العلوم ليست محسوسة حتى يكشف عنها كما يكشف عن الأماكن البعيدة في الكشف الصوري وقد جعل الحق تعالى لعلماء الشريعة نظير هذا الكشف بواسطة الاجتهاد والأدلة المعلومة بينهم وأطال في ذلك، ثم قال : واعلم أن الله تعالى قد أخبر في كتابه عن أقوام إن هم إلا وكلأشي بل هم أضل أزليك هم النفلوت [الأعراف : ١٧٩ ] وأخبر يية عن أقوام من أمته يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم فكيف تكون هذه الأقوام متقربين إليه وكيف يتقربون بعدم العلم الذي هو الجهل هذا عجيب والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن مقام المجاذيب في الجنة فأجاب رضي الله تعالى عنه ليس للمجاذي ب مقام عملي فليس لهم في جنة الأعمال نصيب كما أنه ليس لهم مكان مخصوص يسكنون فيه ولا ينعمون بمأكل ومشرب ولا ملبس ولا منكح ولا غير ذلك مما يتنعم به المكلفون إنما لهم نعيم المشاهدة فقط فهذا هو الذي يشاركون فيه المكلفين لكن لهم خصوص وصف في المشاهدة يتميزون به وأطال في ذلك، ثم قال بل أقول أن السوقة وأرباب الحرف والصنائع أعظم نفعاً من المجاذي ب لقيامهم في الأسباب النافعة لغيرهم ولكثرة خوفهم من الله تعالى إذا وقعوا في ذنب ولا يرون لهم عملاً يكفر ذلك الذنب أبداً هذا مع احتقارهم نفوسهم وعدم رؤيتهم لها على أحد من الخلق بالأدلة وهذه الصفات عزيزة في أحد من أهل هذا الجدال انظر هذا قال والذي أطلعني الله تعالى عليه أن السوقة وأرباب الصنائع لهم في كل جنة من الجنان الأربع القدم الراسخة وهي جنة الفردوس وجنة المأوى وجنة عدن وهي المخصوصة بالمشاهدة المغيبة لهم عن شهود نفوسهم ما عدا علمهم مما يعطيه الله تعالى لهم من العلوم والمعارف والأدب على قدر مقامهم وأحوالهم فهم ولو فنوا عن شهود نفوسهم لا يفنون عن شهود ما أعطاه

= المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة أصله من مرو كان أبوه والى سرخس وولد ببغداد فنشأ منكباً على طلب العلم وسافر كثيراً إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور وغير ذلك وصنف االمنا ستة مجلدات يحتوي على ثلاثين ألف حديث وله كتب في «التاريخ» و«الناسخ والمنسوخ؟ واالتفسير، و«المناسك و«الزهد؛ وغير ذلك.

الأعلام (٢٠٣/١) وصفة الصفوة (١٩٠/٢).

الله تعالى لهم مما ذكرناه وذلك ليتأدبوا به إذا رجعوا إلى إحساسهم فلا يزالون كذلك يحفظون ما علمه الله تعالى لهم في تلك الغيبة حتى يفيقوا منها وأطال في ذلك بم قال فعلم أن المجاذي ب كالأطفال سواء إلا أن الأطفال يتميزون عن المجاذي ب بسريانهم عن الأشياء بها واحتجابهم بكل شيء ولذلك ورد في الحديث أنهم دعاميص الجنة أي غواصون فيها لا يمنعون ثم لا يخفى أن ما زاد على هذه الأربع جنات إنما هي أوصاف خاصة لكل جنة منها ما ليس للجنة الأخرى فافهم حتى تدخلها وتنظر ذلك بعينك فقلت له فهل النشأة التي يكون عليها أهل الجنة تكون كهذه النشأة التي نحن عليها الآن أم لا فقال نشأة أهل الجنة مخالفة لهذه النشأة صورة ومعنى كما أشار إليه قوله يللة: «في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))( ) وفي الحديث إشعار بأن حجاب البشرية ما دام بالشخص منا فهو محجوب عنمشاهدة أحوال أهل الجنة لأن نشأة أهل الجنة الغالب عليها الشهود والإطلاق لا الحجاب والتقييد فمن كشف حجابه منالعارفين.

هنا علم أحوال أهل الجنة علماً لا شك فيه لخروجه عن حجاب بشريته وقد بين الحق تعالى لنا ذلك بقوله تعالى : ووم كان لبشر أن بكته ألسه إلا وحياً أو مرة ورآي جابي 4 [الشورى: ٤٥١ أي إلهاماً أو تقليداً من وراء حجاب البشرية فالوحي الإلهامي للأولياء والتقليدي للمؤمنين وما سمي البشر بشراً إلا لمباشرته الأمور التي تعوقه عن اللحوق بدرجة الروح لو سلم منها لكلمه تعالى كما كلم الأرواح من الملائكة وإنما كلم اله تعالى محمداً يللة بالوسائط مع علو مقامه عن جميع الخلق زيادة تثبيت ويقين وأكثر من ذلك لا يقال على أنه تعالى قد كلمه يليفة بارتفاع الوسائط في بعض الوقائع إعطاء للجزء الذي يطلب سماع كلام لله تعالى بغير واسطة حقه فافهم.

ثم اعلم أن الحق تعالى قد جعل لنا السمع والبصر والشم والذوق واللمس واللذة في النكاح، والإدراك حقائق متغايرة حكماً ومحلاً مع إيجادها في الباطن إذ الإدراك للنفس وهي حقيقة واحدة بمنافذ مخصوصة وإنما تنوعت الآئار في هذه الحقائق لتنوع آثارها وفي الآخرة ينقلب هذا الباطن ظاهراً وتتخذ أحكام هذه الصفات حكماً ومحلاً فيسمع بما به يبصر بما به يتكلم بما به يذوق بما به يشم بما به يلمس وبالعكوس ويبصر

(١) الدعموص دودة سوداء تكون في مستنقع الماء جمعه: (دعاميص).

(٢) أخرجه أحمد بن حنبل في (المسند ٤١٦/٢، ٥٠٦) والهيثمي في (مجمع الزوائد ٤١٢١٠) والمنذري في (الترغيب والترهيب ٥٥٩/٤) والمتقي الهندي في (كنز العمال ٣٩٢٥٩) والألباني في (السلسلة الصحيحة ٧٣/٣) وابن كثير في (التفسير ٣٦٨/٦) وابن عساكر في (تهذيب تاريخ دمشق ٤٦٢/٥).

بسائر جسده ويسمع بسائر جسده ويأكل كذلك وينكح كذلك ويشم كذلك وينطق كذلك ويدرك كذلك قال وهذه الأمور لا يصلح إدراكها بالعقل لاستحالتها عنده ولولا أن الله تعالى كشف عن العارفين الحجاب ما صح لهم معرفة ذلك فقلت له فهل الأكل عام لجميع من دخل الجنة فقال لا إنما الأكل لبعض دون بعض على غير الصورة المعهودة هنا وقد أشار إلى ذلك سيدي عمر بن الفارض رضي اله عنه في تائيته وغيرها والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن قوله ا: «الجنة تشتاق إلى أربع علي وعمار وسلمان وبلال" ما حكمة تخصيص هذه الأربعة فقال رضي اله عنه: هؤلاء الأربعة أركان نعيم الجنة. فعلي من العلو وعمار من العمارة وسلمان( ) من السلامة من الآفات وبلال       من البلة التي هي بردالقلب من خطورزوال ذلك النعيم وأطال في ذلك ثم

قال : إن الجنات تتنعم بأهلها كما يتنعم أهلها بها وكمال النعيم لا يكون إلا مع وجود الروح والجسد فكان من الحكمة قيام هؤلاء الأربعة المذكورين في الحديث بالجنان ليصح لأهلها التنعم كالحقائق الإنسانية لأن معنى هؤلاء الأربعة المذكورين هم روح

(١) هوعلي بن أبيطالب بنعبد لمطلب لهاشمي لقرشي أبو لحسن (٢٣ق ه - ٤٠ ه= ٦٠٠ - ٦٦١م) أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين وابن عم النبي وصهره من أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء وأول الناس إسلاماً بعد خديجة ولد بمكة وآخى النبي (يلف) وولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان (سنة ٥ ٣ ه) شهد وقعة صفين والجمل وأقام بالكوفة إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة روى عن النبي (ص) ٥٨٦ حديثاً وكان نقش خاتمه «الله الملك» وجمعت خطبه وأقواله ورسائله في كتاب سمي (نهج البلاغة) .

(الأعلام ٢٩٥/٤ - ٢٩٦) (والطبري ٨٣/٦).

(٢) هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني. المذحجي العنسي القحطاني أبو اليقظان (٥٧ ق ه ٣٧ ه-٥٦٧ - ٦٥٧م) صحابي من الولاة الشجعان ذوي الرأي هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان كان يلقب (الطيب المطيب) وهو أول من بنى مسجداً في الإسلام سماه (قباء) وشهد الجمل وصفين مع علي وقتل في صفين وعمره ثلاث وتسعون سنة له ٦٢ حديثاً.

الأعلام ٣٦/٥، الإصابة (٥٧٠٦) المحبر (٢٨٩، ٢٩٦).

(٣) هو سلمان الفارسي : ( ٠٠٠ - ٣٦ ه= ٠٠٠-٦٥٦م) صحابي كان يسمي نفسه سلمان الإسلام أصله من مجوس أصبهان نشأ في قرية جيان ورحل إلى الشام فالموصل فنصيبين فعمورية: وجعل أميراً على المدائن فأقام فيها إلى أن توفي له في (كتب الحديث ٠ ٦ حديثاً) .

الأعلام ١١٢/٣، وطبقات ابن سعد (٥٣/٤ -٦٧) والإصابة (٣٣٥٠).

(٤) هو بلال بن رباح الحبشي أبو عبد الله ( ٠٠٠- ٢٠ه = ٠٠٠- ٦٤١م) مؤذن رسول الله (ا) وخازنه على بيت ماله ولد في (السراة) وشهد المشاهد مع رسول الله (ا) وتوفي في دمشق روى له البخاري ومسلم ٤ ٤ حديثاً .

الأعلام (٧٣/٢) وابن سعد (١٦٩/٣).

الجنان الأربعة وأجسادها فلا نعيم يظهر لأهل الجنة إلا بوجود هذه الأربعة رضي الله عنهم فهم حقيقة النعيم وهم الموكلون أيضاً بالأنهار الأربعة المذكورة في القرآن فيفرقون على كل أحد منها بحسب حيطته ومشربه من التوحيد وقوة استعداده لأن هذه الأنهار الأربعة هي مظاهر العلوم والأعمال المكسوبة والموهوبة وأطال في ذلك ثم قال : ويوضح لك ما قلناه قوله تعالى : <ولن آلذار آلأخرة لهى ألتوإن ؤ كاؤأ يعلمون 4 [العنكبوت: ٦٤] والله أعلم.

وسألته: عن حقيقة الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام ما هي؟ فقال: هي الأفعال المقابلة لما عليه الأنبياء وكمل ورثتهم من كمال الأفعال والأخلاق والسر في ذلك إظهار منة الله على العبد وحلمه عليه لا غير والكل منه وإليه لا يخفى تفاوت الناس في الذنوب فربما كان ما يتقرب به عبد يتوب منه عبد آخر والله تعالى أعلم به .

وسألته رضي الله عنه : عن مشايخ سلسلة طريق القوم كالشيخ يوسف العجمي وسيدي أحمد الزاهد وأتباعهما هل كانوا أقطاباً أم لا فقال رضي الله عنه : لم يكونوا أقطاباً وإنما هم كالحجاب على حضرة الملك لا يدخل على الملك إلا بإذنهم فهم يعلمون الداخلين الآداب الشرعية على اختلاف مراتبها وأما ما ظهر عليهم من الكرامات والخوارق فإنما ذلك لصفاء نفوسهم وكثرة إخلاصهم ومراقبتهم ومجاهداتهم وأما القطبية فجلت أن يلمح مقامها الأحوط غير من اتصف بها وقد ذكر الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه : أن للقطبية ستة عشر عالماً أحاطت بالدنيا والآخرة ومن فيهما عالم واحد من هذه العوالم فافهم فقلت له: فالتصريف الذي يقع على أيدي هؤلاء المسلكين هل هو لهم بالأصالة كشأن القطب أم هو لغيرهم فقال رضي الله عنه اسمع إذا أراد الله تعالى بإنزال بلاء أو أمر شديد تلقى ذلك القطب رضي الله عنه بالقبول والخوف

(١ ) هو أحمدبنمحمد بن سليمان أبو لعباس، شهاب الدين المعروف بالزاهد (٠٠٠-٨١٩ه = ٠٠

- ١٤١٦ م) فقيه متصوف شافعي من أهل القاهرة كان مولعاً بترميم المساجد القديمة وبنى جامعاً بالمقس يعظ الناس فيه وصنف كثيرا للمريدين وغيرهم.

من كتبه «رسالة النور» أربعة أجزاء و«هدية المتعلم وعمدة المعلم» و«تحفة المبتدي ولمعة المنتهي» و«مختصر أحكام الإمام والمأموم» وغيرها كثير.

الأعلام ٢٢٧/١، والضوء اللامع (١١/٢) والأزهرية (٦٠٨/٢، ٦٧٢/٣)، وسركيس ٣٧٧.

(٢) هو عبد القادر بن موسى بنعبد الله بن جنكي دوست الحسني أبو محمد محيي الدين الجيلاني أو الكيلاني أو الجيلي (٤٧١ -٥٦١ه=١٠٧٨-١١٦٦م) مؤسس الطريقة القادرية من كبار الزهاد والمتصوفين ولد في جيلان (وراء طبرستان) وانتقل إلى بغداد شاباً كان واعظاً فقيهاً سمع الحديث وقرأ الأدب واشتهر وتوفي في بغداد له كتب منها «الفنية لطالب طريق الحق»» و«الفتح الرباني» و«فتوح الغيب» و« درر الفيوضات الربانية» وغير ذلك.

(الأعلام ٤٧/٤) النجوم الزاهرة (٣٧١/٥) طبقات الشعراني (١٠٨/١، ١١٤).


ثم ينتظر ما يظهره الله تعالى في ألواح المحو والأثبات الثلاثة مائة وستين لوحاً الخصيصة بالإطلاق والسراح فإن ظهر له المحو والتبديل نفذه بقضاء الله تعالى وإمضائه في العالم بواسطة أهل التسليك الذين سدنة ذاته رضي الله عنهم فينفذون ذلك وهم لا يعلمون أن الأمر مفاض عليهم من غيرهم وإن ظهر له أن ذلك الأمر ثابت لا محو فيه ولا تبديل دفعه إلى قرب عدد ونسبة منه وهما الإمامان فيتحملان ذلك ثم يدفعان إن لم يرتفع إلى أقرب نسبة منهما وهما الأوتاد وهكذا حتى يتناول الأمر إلى أصحاب دائرته جميعاً فإن لم يرتفع فرقته الأفراد وغيرهم من العارفين إلى آحاد المؤمنين حتى يرفعه الله عز وجل وربما أحسن بعض الناس ببلاء ولا يعرف من أين أتاه وهو من ذلك البلاء الذي فاض على أصحاب المراتب فلو لم يحمل القطب وجماعته البلاء عن العالم لتلاشى العالم في لمحة قال الله تعالى : فول^لا دفع آللو آلناس بعضهم ببغض لفسدت ألأزض ولكين ألله ذو نضي عل الكليبك 4 [البقرة: ٢٢٥١ أي جعل لنا من يحمل عنا ما لا طاقة لنا به وقال : في حق القطب بلسان الإشارة خلق السموات بغير عمد ترونها وفيه أيضاً إشارة إلى القطب إلا من شاء الله فإنه تعالى أثبت العمد ونفى رؤيتها فلو كان هؤلاء المسلكون الذين أشرنا إليهم آنفاً أقطاباً ما عرفهم إلا قليل وهؤلاء جمهور الناس يعرفونهم والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : ماذا أنوي بالست ركعات التي أصليها بعد صلاة المغرب فقال رضي الله عنه : «إنو باثنتين منها الشكر لله على نعم لا تستطيع لها شكراً وباثنين منها الشكر لله الذي جعلك مسلماً وباثنين منها الشكر لله الذي جعلك من أمة محمد يلف» ثم قال لي: «وهكذا فافعل في سائر النوافل(١) التي بعد الفرائض انو بها الشكر له على تأدية تلك الفريضة» ثم قال : هكذا أوصاني سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه وكذلك بأن أصلي صلاة الغيبة بعد المغرب على كل من مات وغسل من أموات المسلمين ذلك اليوم ثم قال لي: ولا تواظب على ذلك لكون رسول الله يلي: لم يفعله والله تعالى أعلم.

وسألته رضي اللهعنه: عن قبول هدايا الناس الذين يعتقدون في هل أردها أم أقبلها وأعطيها لمستحقها فقال : السلامة في هذا الزمان رد ذلك لغلبة الحرام والشبهات في

(١) النوافل: ما زاد على النصيب أو الحق أو الفرض جمع (نافلة).

(٢) هو إبراهيم بنعليبنعمر (٠٠٠- ٨٧٧ ه= ٠٠ - ١٤٧٣) برهان الدين الأنصاري المتبولي صالح مصري للعامة فيه اعتقاد وغلو، كانت شفاعته عند السلطان والأمراء لا ترد، وله بر ومعروف وأنشأ أماكن منها جامع بطنطا وبرج بدمياط، توفي بأسدود، له كتاب «الأخلاق المتبولية».

الأعلام ٥٢/١، والضوء اللامع ٨٥/١، وبدائع الزهور (١٤٥/٢) ومجمع اللغة العربية بدمشق (٣٢٦/٤٨)-


المكأسب ومن تعب في تحصيل شيء فهو أحق بتفرقته ثم قال : يا أخي سمعت سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول : كل لقمة نزلت في جوف الفقير من غير كسبه الشرعي أخذت من عبوديته جاباً واسترقت منه خيراً لذلك المحسن قهراً عليه وإن كان ولا بد من الأكل من طعام الناس . فكافىء كل من أكلت عنده حتى ترى أنه استوفى حقه في العادة ولو بالدعاء له في أوقات الإجابة وغيرها والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : مر ة أخرى عن قول بعضهم إن الفقير إذا عرف الله لا يؤثر فيه الأكل من طعام الناس نقصا.

فقال رضي الله عنه: اعلم أن المدد الذي لم يزل فياضاً على قلب كل إنسان يتلون بحسب القلب والقلب يتلون بحسب إصلاح الطعمة وفسادها ثم قال : إن الله تعالى ينطق على لسان عبده بحسب مضغته فإن كان قلبه مطهراً من سائر الرذائل نطق بالكلام النفيس الذي يشبه الوحي وإن كان ملطخاً بشيء من القاذورات( ) نطق بما يشبه كلام الشياطين انتهى.

وسألته رضي اللهعنه: عن قول الشيخ محيي الدين بن العربي( ) رضي الله عنه: اجتمعت في مشهد أقدس بجميع الأنبياء والمرسلين ولم يكلمني منهم ولم يفرح بي إلا هود عليه السلام ما سبب تخصيص هود عليه السلام بكلامه له وفرحته به دون غيره فقال رضي الله عنه : البشارة ولم يزد.

فقلت له : ما معنى هذا اللفظ فقال : أمر لا يمكنني شرحه لاحتياج ذلك إلى نسبة بيان هود ورتبته من جانب الحق تعالى واحتياجه بالأحدية المغنية له عن شهود شكره الآلات والوسائط وأما فرحه عليه السلام بهذا العارف فاعلم أن البرزخ وإن كان لجميع الأنبياء والمرسلين فيه السراح والإطلاق حيث شاؤوا لكنهم كالمقيدين فيه بالنسبة إلى إطلاق الآخرة وما فيها من النعيم فإنهم وإن شهدوا ذلك في البرزخ فإنما يشهدونه من

(١) القاذورات: الألفاظ السيئة مفرده (قاذورة).

(٢) هو محمد بن علي بن محمد بن عربي ( ٥٦٠ - ٦٣٨ ه=١١٦٥-١٢٤٠م) أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بمحيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر. فيلسوف من أئمة المتكلمين في كل علم. ولد في مرسية وانتقل إلى إشبيلية وقام برحلة فزار الشام وبلاد الروم والعراق والحجاز وأنكر عليه أهل الديار المصرية «شطحات» صدرت عنه، فعمل بعضهم على إراقة دمه وحبس فسعى في خلاصه علي بن فتح البجائي فنجا واستقر في دمشق فتوفي فيها له نحو أربعمائة كتاب ورسالة منها «الفتوحات المكية» و«نصوص الحكم» و«مفاتيح الغيب» و«القطب والنقباء» و«الحق» و«شجون المسجون» و«اللمعة النورانية» وغير ذلك كثير.

الأعلام (٢٨١/٦ - ٢٨٢) وفوات الوفيات (٢٤١/٢) وميزان الاعتدال (١٨/٣) ولسان الميزان (٣١١/٥)، وشذرات الذهب (١٩٠/٥)، ونفح الطيب(٤٠٤/١). خلف الحجاب منغير واسطة جسمهم فإن أجسامهم مقيدة تحت الأرض والكمال في النعيم إنما يكون بواسطة الجسم والروح فلذلك فرح هود عليه السلام بهذا العارف لكونه من الأمة المحمدية لأن في رؤيته بشارة بانقضاء مدة البرزخ لكون هذه الأمة آخر من يدخله لكمال نشأتهم وتكليفهم بالعمل بكل شريعة وأدب إلى غير ذلك مما خصوا به من الإرث المحمدي و أيضاً فإن هوداً عليه السلام يعلم أن لهذه الأمة المحمدية ختماً جامعاً لكل رتبة ومقام إرث وولاية بأحدية جمعها وتنوع وحدتها حتى يستغرق كل نعت ووصف وإمداد واستمداذ أحدياً كان أو وحدانياً بسر تنزله وإحاطته بعوالمه المطلقة والمقيدة وما هو خصيص به أصلاً وفرعاً حكماً وعيناً سعة وضيقاً قيداً وإطلاقاً حتى أن كل ولي كان أو يكون إنما يأخذ عن هذين الختمين اللذين يكون أحدهما خاتم ولاية الخصوص والآخر يختم الولاية العامة فلا ولي بعده إلى قيام الساعة وقد أخبر هذا العارف عن نفسه أنه أحد الختمين وأقام البرهان على ذلك بشرحه لأسئلة الحكيم الترمذي ا المائة وخمسين سؤالاً التي ذكرها الحكيم الترمذي رضي الله عنه: أنه لا يعر ف الجواب عنها إلا الختم الذي يواطىء اسمه اسمي أي محمد بن علي كالترمذي محمد بن علي والشيخ محيي الدين محمد بن علي وبينه وبينه نحو ثلثمائة سنة فكان فرح هود عليه السلام برؤية الشيخ محيي الدين لعلمه بأنه أحد الختمين، وعلم بذلك قرب انشقاق الفجر الأخروي والانتقال من البرزخ إلى إطلاق الآخرة وسراحها هذا ما ظهر لي من الجواب في هذا الوقت والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : هل أصغي لمن يمدحني تفاؤلاً بأن ذلك عنوان على مدح الحق لله تعالى فقال : لا تركن قط إلى من يمدحك فإن النفس تألف ذلك من غير إشعارك وكل شيء ألفته نفسك تخلفت به عن اللحوق والتخلق بآداب العبودية التي من شأنها فقرك دائماً وغنى ربك دائماً .

وإيضاح ذلك أن كل كمال ادعاه الإنسان إنما هو حقيقة لله تعالى وهو في ذلك منازع لأوصاف الربوبية من حيث لا يشعر فحاله كحال فرعون والنمروذ سواء حيث ادعيا ما ليس لهما من صفات ربهما وكان ذلك سبب هلاكهما وقد وقع التوبيخ الإلهي لمن يدعي ما ليس

(١) هو محمد بن علي بن الحسن بن بشر أبو عبد الله الحكيم الترمذي (٠٠٠- نحو ٣٢٠ه = ٠٠٠ - نحو ٩٣٢ م) باحث صوفي عالم بالحديث وأصول الدين من أهل «ترمذ» نفي منها بسبب تصنيفه كتاباً خالف فيه ما عليه أهلها فشهدوا عليه بالكفر ثم جاء إلى بلخ بعد خروجه من ترمذ ألف كتاب «ختم الولاية وعلل الشريعة» واختلف في تاريخ وفاته فمنهم من قال: سنة ٢٥٥ وسنة ٢٨٥ ه، ومن كتبه «نوادر الأصول في أحاديث الرسول» و«الفروق» و«غرس الموحدين» و الرياضة وأدب النفس» و«غور الازر» وغيرها ت

الأعلام (٢٧٢/٦) ولسان الميزان لابن حجر (٣٠٨/٥) ومفتاح السعادة (١٧٠/٢).

له بقوله تعالى : ووما خلقت آلجن وآلإنى إلا ليعبدون ه [الذاريات: ٥٦] وقال: ؤتنمكئشز ألجن ول١٢ذي إن أستطنثم ن تفذواً ين قلي آلتحكؤت وآلأزن لأنشذوأ 4 الرحنن؛ ٣٣] كل ذلك إعلاماً للعبيد أن ينتبهوا لأنفسهم ويعترفوا بالعجز والذل والسكينة وأن لا يتعدوا صفات العبودية التي خلقوا لها والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: بلسان الافتقار عن الأحدية السارية في الوجود وشدة ظهورها مع خفائها فأجاب رضي الله عنه : بقوله ألها ثم سكت ثم قال : كم ثم قال التكاثر ففهمت ما تحته وهذا من جوامع الكلم فاعلم ذلك.

وسألته رضي الله عنه : هل أكتب كلما يرد على قلبي من العلوم والمعارف فقال رضي الله عنه: إنصحبك ذلك عند انفصام تنزله فاعلم أن الله تعالى أراد ثبوته فاكتبه وإن محا الله تعالى علمه من قلبك عند انفصامه فاعلم أن الله تعالى لم يرد إثباته فلا تلتفت إليه فمن حين قال لي ذلك لم أقدر أعبر عن ذلك بعبارة مع أني أدرك معاني ذلك في نفسي وأشهده علماً صحيحاً فلله الحمد.

وسألته رضي الله عنه : عن شيء أوصي به عند الموت يفعل بعدي فقال : لا تفعل شيئاً من ذلك فإني وأنت ليس لنا مع الله اختيار في دار الدنيا فكيف تختار شيئاً بعد الموت انتهى.

وسألته رضي الله عنه : هل أقرأ أو أصوم وأجعل ثواب ذلك لآدم عليه الصلاة والسلام ليكون ذلك وصلة بيني وبينه في المعرفة في الآخرة لسبب أعلمته به فقال: لا تجعل بينك وبين الله واسطة أبداً من نبي أو غيره فقلت له : كيف فقال : لأن الرسول إنما هو واسطة بين العبد وبين الرب في الدعوى إلى الله لا إلى نفسه فإذا وقع الإيمان الذي هو مراد الله تعالى من عباده ارتفعت واسطة الرسول عن القلب إذ ذاك وصار الحق تعالى أقرب إلى العبد من نفسه ومن رسوله ولم يبق للرسول إلا حكم الإفاضة على العبد من جانب التشريع والاتباع كما في حال المناجاة في السجود سواء فنفس الرسول يغار من أمته أن يقفوا معه دون الله تعالى فإنه يعلم أن مقصود التشريع حصل بالتبليغ كما حصل له الأجر على ذلك كما أشار إليه قوله يللقة «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها» الحديث وانظر يا أخى إلى غيرة الحق تعالى على عباده لقوله لمحمد يل: ووإذ سألك عبكادى عف فإن قريب أجيب دعوة آلداء لمد١ دعاي ه [البقرة: ١٨٦] فأعلمنا تعالى بأنه أقرب إلينا من أنفسنا ومن رسولنا الذي جعله الله تعالى واسطة لنا في كل خير مع أنه تعالى يالغ في مدحه قللة حتى كاد أن يصرح بأنه هو كثرة ما رصفه بالكمال في

(١) أخرجه الدارمي (مقدمة ٤٤) وابن ماجة (مقدمة ١٤) وأحمد بن حنبل (٤، ٣٦٢),


نحو قوله تعالى: ومن يلع آلرشول فقذ أطاع ألله 4 [النساء .٨ وبقوله: <إن ألنيك يبايعونك إنما يبإيشوك آل له 4 [الفتح: . ١] ومع ذلك قال له ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فأخرجه عن حال الخلق ونفاه عنهم وأثبته معه في البراءة عن المثلية وعن مشاركة أحد منهم له في كماله أو رتبته يلية فافهم والله أعلم .

وسألته رضي اللهعنه: عن الفرق بين صوت الجن والإنس فإنه يرد علينا أصوات في الليل لا ندري أهي صوت جني أم إنسي فيقع لنا الالتباس فقال: خطاب الجني أو الملك لنا يعرف بكونه لا يقدر على مخارج الحروف لأنها تطلب أنطاقاً كثيفة وهو من الأجسام اللطاف فقلت له: فكيف يحصل لنا العلم بما يقولونه فقال: يحصل بنطقهم بمثال الحرف لا بحقيقته فإن الأحرف التي ينطقون بها بعضها على مثال أحرفنا وبعضها لا يمكنها النطق به إلا بواسطة حيوان يدخلون فيه فيتمكنون إذ ذاك من إظهار الحروف والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن عالم الخيال هل هو البرزخ فقال : لا لأن الشاهد عند التحقق بالنزول في البرزخ لا يمكنه أن يعود إلى هيكله الأول وعالم الخيال متصل بهما فقلت له: أنه برزخ في نفسه فقال: نعم فقلت: ويختلف فيه الأحوال في الآن الواحد تنوعاً وتغييراً لحكم مطلق البرزخ فقال : نعم فقال له : أخي أفضل الدين أني أجد الجمع بين الضدين في عالم الخيال كالحال في البرزخ فقال : البرازخ تقبل ذلك فقلت له : إني لأجد بين عالم الخيال والحس مراتب كالبرازخ عند حالة رجوع النفس ويقع لي الإدراك والعلم بذلك إلا أني أشهد نفسي حينثذ كأني في العدم فقال البرزخ لا حقيقة لها ثابتة كالحال في الحال فيها فقلت له : فإذا الوجود بأسره مطلق ومقيد ببرازخ والعدم محيط بالكل فقال : نعم وفي كل موطن حتى لا يكون في الوجود بي حقيقة إلا الحق تعالى فقلت له : هل لهذا العدم مقابل فقال : لا لأنه لو كان له مقابل لكان عدمه نسبياً فقلت له فما التحقيق فقال وجود مطلق يعرفه كل قلب مطلق بغير معرفة انتهى. وكان ذلك في مجلس حانوته بعدالعصر رضي الله عنه.

وسألته رضي الله عنه : عن الصفات هل يصح تعلقها بالذات فقال : لا لأن الصفات معدومة عندها لاستغنائها بشهود حالها فقلت له فهل يصح العلم بالذات فقال : العلم لا يحيط إا بالصفات لأنه من جملتها فقلت له فالأيمان قال: شهود وصمت وبه يصح العلم بها لها لأنها العالمة وفي قوله: ووجعلنا من آلمآ كل قى تي 4 [الأنبياء ٣٠] دليل على ما قلناه لا يخفى على المحقق فقلت له: والأرض كذلك فقال: نعم لكن حواء ليست كآدم فقلت له : فقوله تعالى : ويأيه ألناش أتقواً ربكم ألنى خلقك تمن نفي وحدة4 [النساء: ١] يفيد ماأفادته آية الماء فقال: نعم لكن الوجود عن هذا النفس معلوم

درر الغواص-م٢ مشهود وهي غير مشهودة بخلاف الماء وما ظهر منه فإنهما مشهودان معروفان فقلت له : قوله وخلق منها زوجها أفاد العلم بالصفة والموصوف فقال نعم ولا تتكلم بذلك إلا معي خوفاً أن يطلب منك أحد نقلاً وهذا لا يمكن لأنها حقائق مجردة عن الأفهام والأمثال فقلت له : هل أعتمد من الآن على النقول فقال : لا بل اعتمد في نفسك على ما يظهره الله فيك من العلوم فإن نفسك أقرب إليك ممن تنقل عنه لمعرفتها الصحة ودليلها وقدرتك على التعبير منها فلا يعتمد على النقل إلا لمن يطلب النقول والسلام.

وسألته رضي الله عنه : عن سبب تنوع طرق الأولياء وكثرتها مع أن المطلوب عند الجميع واحد لا تصح فيه القسمة ولا يقبلها فقال : إنما تعددت الطرق لتعدد القوابل والاستعدادات لأنه لا يدرك الاثنان بصفة واحدة أبداً ومحال أن يوجد الحق تعالى عند واحد ويكون مفقوداً عند آخر كما أشار إلى ذلك قوله تعالى : < كل يوء هو في سآن٠ [الرحمن : ٩ ٢] واليوم هو الزمن الفرد الذي لا يدرك وكذا أشار إليه قوله تعالى : < وسنرى كل سى ؤ رحماً وعلما [غافر: ٧] فإن الرحمة غير الذات والعلم صفتها فافهم.

وسألته رضي الله عنه : عما يجده الذاكرون من الخشوع حال الذكر وعند فراغهم يذهب كأن لم يكن فقال : إنما تغير الحال على هؤلاء لأن خشوعهم كالرطب المعمول الذي يتغير بسرعة فأين هو من الرطب الجني الذي لا يزداد بمكثه إلا حسناً وحلاوة لكماله وبلوغه وكذلك حكم هؤلاء في كشفهم وكراماتهم فإنما يكون ذلك لهم ما داموا لا ميل لهم فيها وأطال في ذلك.

ثم قال : فاحذر يا أخي هذه الطريقة واخلص لله في العمل ولا تطلب منه كرامة غير تأهيلك لخدمته وكن عبد ربك لا عبد نفسك وهواك لأن من شأن النفس المحبة لهذه الصفات لتتكبر بها على جنسها والحق لا يدرك لمحبة النفس وتكبرها وتلصصها على مراتب الأولياء وإنما يدرك تعالى به منه فضلاً ومنة هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم فقلت له : وما ملة أبينا إبراهيم فقال : التسليم والتفويض لله رب العالمين فقلت إني لا أحس بخشوع في ذكري ولا غيره هذه الأيام فقال :

هذا من الله رحمة بك حيث ستر عنك حالك لتكون عبدا دائماً فقلت له وأنا بحمد الله عبد دائماً فقال: هو كذلك لكن الامتحان آفاته كثيرة والمحبوب عند الله من ادخر له جميع ما وعده به إلى الآخرة ليعطيه له في دار البقاء لأن كل من أعطي شيئاً من محبوبات النفوس في هذه الدار نقص رأس ماله وخرج من الدنيا بخسارة اللهم إلا أن يعطيه الحق تعالى شيئا ابتداء من غير ميل للنفس فذلك محمول عن صاحبه إن شاء الله تعالى لا ينقص به رأس مال.

ثم قال : إياك ثم إياك أن تميل إلى شيء تألفه النفس فإن السم معه ولا بد لنفوذ السم من معين ولا معين له إلا النفس وانظر إلى قوله تعالى لآدم وحواء عليهما السلام فولا نقرياً هذو آلشجرة^ [البقرة: ٢٣٥ مع علم آدم عليه السلام بها حال تعليمه الأسماء فلما أراد الله تعالى نفوذ قضائه وقدره ألف بينه وبين من كان سبباً لأكله من الشجرة وليست إلا حواء فقلت له إني على علم من هذا لا يعلمه إلا أنت فقال قل فقلت تعليم الحق تعالى لآدم الأسماء إذن له في الأكل من الشجرة لأن الأسماء التي علمها لا يبلغها الإحصاء وهي كلها أسماء كونيات وفي الحديث «علمه كل شيء حتى علمه اسم القصعة والقصيعة" وقيل :

إن ذلك من كلام ابن عباس رضي الله عنهما وليست هذه الأسماء لائقة بالجنة لأن الجنة لا يفتقر أحد فيها إلى اسم يستدعى به حاجة ما لأنها دار تكوين بالهمم والأنفاس لأن الله تعالى أعطى أهلها أن يقول أحدهم للشيء كن فيكون فالجنة محل الغنى لا الافتقار فبقيت عندنا تلك الأسماء معدومة الأثر هذا مع علمه بما قالت الملائكة في حقه وحق ذريته من سفك الدماء والخلاف والتنازع وغير ذلك مما لا يليق بالجنة ومع علمه أيضاً بأنه لم يخلق للجنة ولا للخلود فيها ابتداء يعلم ذلك كل من دخل الجنة بالخاصية فكان آدم عليه السلام يعلم أنه لا بد من خروجه من الجنة لدار الدنيا لأجل التناسل لجميع بنيه ولأجل التكاليف وكان يعلم أيضاً أن العبد لا يكمل في مقام العبودية الذي به شرفه إلا بالافتقلر والذل ولذلك خلقه مع أنه ا تظهر سيادة ربه إلا باظهاره هو الذل والانكسار وفلك الجنة يأبى ذلك ولذلك لم يكن فيها تكليف أحدهما هو في الدنيا إنما هي دار عز وغنى وكان أيضاً يعلم باطلاعه في اللوح المحفوظ أنه لا بد من إظهار خلق على صورته منه كما أراه الحق ذلك في عالم الذر حين استخرجهم من ظهره لأجل أخذ الميثاق ومن هناك علم رتبة محمد ا ورأى هناك نور داود عليه السلام الذي استنارت خلافته بزيادته أخرى وهناك وهبه من عمره ما وهب إكراماً له وكان يعلم أيضاً أنه ليس من شأن الكريم أن يخرج من جواره عبد بغير حجة تقام عليه في ظاهر الأمر فلذلك بادر آدم عليه السلام إلى إقامة الحجة بأكله من الشجرة ليتميز الحق بالكمال المطلق ويتميز العبد بالافتقار والذل وكل ذلك كان في حضرة شهوده في الجنة حسبما ورد فلما تعارضت عنده هذه الحقائق وعلم من معرفته الأسماء أنه خليفة على قوم سيظهرهم الله تعالى منه ليودعهم سر تلك الأسماء التي علمها ليوصل ذلك إلى النبيين من ذريته بقي متوقعاً ظهور الإذن لهمن ربه بالنزول إلى فعل ما أمر

(١) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس (٣ ق ه - ٦٨ ه= ٦١٩- ٦٨٧م) حبر الأمة الصحابي الجليل ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوة لازم رسول الله (ا) وروى عنه الأحاديث الصحيحة وشهد مع علي الجمل وصفين وكف بصره في آخر عمره فسكن الطائف وترفي بها. له ١٦٦٠ حديثاً وله كتاب في «تفسير القرآن».

الأعلام (٩٥/٤) الإصابة (٤٧٧٢) وصفة الصفوة ٣١٤/١).

به حيثما جعله الحق خليفة في الأرض وجعل الله تعالى له هذه الشجرة التي أكل منهافي الجنة مذكرة له بعجائب الجنة حتى لا ينسى مقام التقريب فكانت الشجرة رحمة له من ربه فإن الأكل لو كان في غير الجنة ما التفت إليها ولا اشتاق إليها ولا يعرف مقام الوصال إلا أهل الهجر فلذلك استعجل آدم عليه السلام الأكل من الشجرة لعلمه أنه لا ينزل إلى محل خلافته إلا إن أقيمت عليه الحجة بشيء وقع فيه في حضرة الله تعالى وساعده على ذلك سذاجة قلبه فإن الأنبياء قلوبهم صافية ساذجة لا تظن أن أحداً يكذب ولا يحلف بالله كاذباً فلذلك صذق من قاله هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى حرصاً على عدم خروجه من حضرة ربه الخاصة وينسى حينثذ النهي الذي كان وقع له في أكله من الشجرة وانكشف له سر تنفيذ أقدار ربه فيه وطلب بأكله من الشجرة المدح عند ربه فكانت معصية استعجاله بالأكل بغير إذن صريح فلذلك وصفه تعالى بأنه ظلوم جهول حيث اختار لنفسه حالة يكون عليها دون أن يتولى الحق تعالى ذلك ولذلك قال : وخلق آلإننن من كده [الأنبياء: ٣٧] وقال : وركان آلإننن مجولات [الإسراء : ١١] فقال الشيخ رضي الله عنه : هذا كلام مليح وفيه تأييد لآدم عليه السلام وإقامة عذر له وحج آدم موسى والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن معنى نزول الحق تعالى في الثلث الأخير من الليل كما ورد فقال رضي اله عنه : هو بنفسه عليم والعقول عاجزة عن تنقل ذلك والقلوب الصافية مدركة ذلك التجلي من غير كيفية ولا إدراك فقلت له رأيت في كلام بعض الكمل أن المراد من هذه الأسماء قلب الكامل وتجليه تعالى عليه قال : لأن الكامل محيط بكل شيء كإحاطة السماء والحق تعالى لا تسعه سماؤه ولا أرضه ولا عرشه ووسعه قلب عبده المؤمن كما ورد ومرتبة القطبانية الإيمان لا الشهود فلا يرى الحق إلا في الدار الآخرة انتهى. فقال رضي الله عنه: إذا شهد فرد شيئاً فلا يعبر عنه بشيء لأن التعبير يفصل والصمت في الشهود يوصل والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن كثرة النوم هل هي من الغفلة فقال : لا تلتفت إلى مثل ذلك إلا بقدر النسبة فقط فإن من وقف مع الأسباب مع الحق تعالى أشرك وما عليك في ذلك بأس كن مع ربك كيف يريد هو لا أنت وفي لمحة يقع الصلح ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون فقلت له: فكثرة السهر والقلق فقال : إن كان ذلك في فكر في منفعة فمدد وخير كثير وإن كان في غفلة فهو بلاء ينزل يوزعه الله تعالى على المؤمنين حتى يرتفع والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن القمر هل هو آية شهود أو علم فقال هو آية شهود لدلالته على ظهور الأحدية وسريانها في العالم فقلت له: فإذاً الشمس آية علم لدلالتها على ظهور الوحدانية وإحاطتها بتكثرها فقال : نعم والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الطواف بالبيت العتيق ليلاً فقال رضي الله عنه : لم يقع


لي ذلك وأعوذ بالله منه فإياك أن تطوف يا ولدي ليلاً إذ حججت فقلت : إن أكثر الناس يطوفون ليلا فقال ليس عليهم بأس من ذلك لأنهم معذورون وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن الشهود في التجلي الإلهي يوم المحشر ما الحال فيه فقال : هو قهر وبلاء وامتحان فقلت له : إني أحب ذلك لأن الشهود يمحق شهود الأغيار فقال : المواحق للاغيار هي القهر والبلاء والامتحان فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين.

وسألته رضي الله عنه: عن البلوغ والإدراك في البرزخ هل يكونان للإنسان لازمين كالحال هنا فقال لا إنما بلوغ كل إنسان وإدراكه بحسب علمه وعمله ويحشر على ما مات عليه والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الآيات التي فيها مدح الإنسان هل في باطن ذلك المدح شيء من الذم أم هو مدح خالص.

فقال رضي الله عنه : لا يصح للإنسان مدح خالص فإنه لو خلص له المدح لما أقيمت عليه حجة أبداً عند الله تعالى فكان لسان الحق تعالى يقول للإنسان إذا مدحه : هل أنت متصف بما وصفتك به أم أنت مخالف لذلك الوصف فإن كنت مخالفاً فمدحي لك كالتوبيخ في صورة مدح فإياك والركون لذلك وإن كنت موافقاً لما وصفتك به فهل أنت على علم أنك تموت على ذلك أم لا فإن ادعيت أنك تموت على ذلك فقد أمنت مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وإن كنت على جهل من أنك تموت على ذلك فقد عرضت نفسك لليأس من رحمتي ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .

وقد سمعت سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول : كل مدح مدحت به فهو في الظاهر مدح وفي الباطن ذم وتخويف وكل ذم وصفت به ظاهراً فباطنه مدح ورجاء هكذا حكمة الله في كلامه إلا في حق الأنبياء والرسل والملائكة عليهم العلاة والسلام لكونهم من عالم العصمة فافهم والله أعلم.

وسألته رضي اللعنه: عن قوله يللف: «يحشر المرء على دين خليله»(١) هل الأمر فيه على العموم والإطلاق فقال نعم ومن هنا وقع البلاء والخوف فلا يكن خليلك إلا من كانت أوصافه حميدة عند الله تعالى.

ونالته رضي الله عته: عن الأكل من أطعمة الناس الذين بيننا وبينهم صداقة فقال: لا تأكل لأحد شيئاً ولو صديقاً إلا إذا علمت الحل في طعامه وعلى ذلك يحمل قوله

(١ ) أخرجه الترمذي زهد (٤٥).


تعالى : فولا على أنفيم أن دأتمكوأ من ببريكم أز بيوت ءابتي^كم أز يوت أمهنتكم أز بيوت إخونكم^ [النور: ٦١] الآية فيقيد هذا الإطلاق بالحل في طعامهم والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : هل ندعوا على الظلمة إذا جاروا فقال : لا لأن جورهم لم يصدر عنهم أصالة وإنما صدر عن المظلوم فإنه ما ظلم حتى ظلم نفسه أو غيره والحكام مسلطون بحسب الأعمال أن لكم لما تحكمون وإنما هي أعمالكم ترد عليكم وفي الحديث «الحاكم الجائر عدل الله في أرضه ينتقم به من خلقه ثم يصير إلى الله فإن شاء عفا وإن شاء انتقم منه وربك فعال لما يريد وهو الغفور الودود» والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه: عن الأفعال المحمودة إذا وقعت وتكونت صوراً بحسب استعداد عاملها هل يرجع نفعها على الكون كالحال في الأفعال المذمومة فقال : يرجع نفع الأعمال المحمودة على الكون كله كما في الأعمال المذمومة أكثر نفع الأعمال المحمودة يرجع على فاعلها بخلاف المذمومة لا يحصل على العامل من ضررها إلا شيء يسير فتذكرت قوله تعالى : فوواتقوأ فتنة لا ثييب ألني طلوأ ونكم خآصكة [الأنفال: ٢٥] وقد كنت سألت عن ذلك بعض علماء الشريعة وقلت له: ما الحكمة في كون البلاء عاماً والرحمة مختصة فقال: لأن ذلك هو اللائق بالجناب الإلهي لسعة الرحمة التي وسعت كل شيء لأن البلاء لو نزل على العامل فقط هلك حالة النزول في لمح البصر فكان معظم الكون يذهب لأن الخلق العاصون لا نسبة لأهل الطاعة معهم في العدد فكان من رحمة الله تعالى توزيع ذلك البلاء على عموم المؤمنين ليستمر لذلك الشخص فتح باب التوبة وتبقى روحه حتى يتوب ولو لم تبق لذهب إلى الآخرة بلا توبة والحق تعالى يحب من عباده التوابين لأنهم محل تنفيذ إرادته وإظهار عظمته وعموم رحمته وهذا من سر تقابل الأسماء الموجبة للرحمة والموجبة للانتقام كالرحمن مع الجبار والغفور مع شديد الانتقام انتهى.

فلما عرضت هذا الجواب على الشيخ قال : والأمر كذلك إلا أن هنا وجهاً آخر وهو أن البلاء إذا نزل عاماً خفف الحق تعالى ذلك عمن لم يعمل وثقل الأمر على من عمل ليرجع عما هو مرتكبه أو يذهب به يد الشقاء مرة واحدة إلى حيث شاء الله نسأل الله العافية فقلت له فإذا من عمل صالحاً فقد أحسن إلى جميع من في الوجود من الخلق ومن عمل سيئاً على جميع الخلق فقال : نعم والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن النور الذي يكون في البرزخ لم كان كثيفاً ولم يكن شفافاً كهذه الأنوار فقال إنما كان كثيفاً لأنه نور أعمال الجوارح في دار التكليف والجو ارح والدنيا من عالم الكثافة فقلت له : ويحتمل وجهاً آخر هو ان الظلمة تصير الأنوار كثائف لتباينهما فلذلك لم يكن نور البرزخ شفافاً فقال: هو صحيح والله تعالى أعلم فقلت له فهل يقع لكل أحد الاجتماع في البرزخ بمن يريده من نبي وولي فقال البرزخ مطلق من حيث هو وليس هو غير الدنيا وغير الجنة والنار لعمومه لكن الحجب صيرت حاجزاً بين المحسوسات والمعقولات فهذا هو البرزخ المطلق الذي انفتحت فيه صور الكائنات ولا يزال الأمر كذلك دنيا وأخرى وأما البرازخ فمتعددة بتعدد المظاهر الإنسانية والمظاهر في البرازخ متعددة حكماً لا محلاً وهي مسجونة في برازخها بحسب أعمالها وسعة برازخها وضيقها وعلمها وذوقها وإحاطتها وعملها وقربها من أخلاق رسولها فكل من كان واسعاً اندرج من هو أصغر منه فيه والبرازخ النبوية واسعة هذا بحسب مراتب الأنبياء وكمالهم فكل نبي مشارك لكل من تبعه في برزخه ولكن الحجب قائمة عند أتباعهم لانقطاع الاكتساب من الأعمال الصالحة عنهم فمن شاء الله أطلقه ومن شاء قيده ويفعل ما يشاء فإن الأمر هنالك كالأمر هنا إلا أنه على غير الصورة التي هنا فافهم.

وسألته رضي الله عنه: هل الأفضل اتباعي المشايخ الذين أدركتهم كالشيخ علي المرصفي(١) والشيخ أبي السعود الجارحي والشيخ نور الدين الشوني وأضرابهم في ال أكل مما يفتح الله به من غير عمل حرفة أم الأفضل عمل الحرفة فأجاب رضي الله عنه : من لاعمل له لا أجرة له وبيانه أن الأعمال والاكتساب من الأقوال والأفعال والأنفاس المحمودة من سائر العالم مديرة للفلك وموجبة للأثر بحسب تلك الأحوال وبحسب نيات من ظهرت عنهم فإذا ظهرت الآثار وتنزلت على كل إنسان بحسب رتبته من تلك الأحوال فكل من كان فعله أتقن وأكمل كان فعله أسرع دوراناً للفلك وكل من كان عمله أتقن وأكمل كان تضاعف الحسنات له أكثر ومن كان تاركاً للأسباب أصلاً دار الفلك بنصيب غيره ولم يحصل له شيء من الإمداد لكونه لم يعمل شيئاً ومعلوم أن الحق تعالى لا نسبة بيننا وبينه في العطاء بلا عمل لبراءته تعالى عن أن ينفصل منه شيء لنا أو يتصل به شيء منا وإنما الأمر راجع هنا لنا بحسب أعمالنا وهو الغني الحميد ومن هنا عتب موسى على الخضر عليه السلام حين أقام الجدار بغير أجرة لعلمه بهذا الأمر والرسالة وهب لا كسب فأراد الخضر عليه السلام أن يجمع لموسى بين مرتبتي الكسب والوهب وهي مرتبة الكمل والأقطاب والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن مصاحبة الكمل من الأفراد هل تفيد شيئاً فقال: إن

(١) هوعليبن خليل المرصفي الشافعي المديني (٠٠٠-٩٣٠ه= ٠٠٠-١٥٢٤م) نور الدين، صوفي مصري له تآليف، منها «منهج السالك إلى أشرف المسالك" و«أحسن التطلاب)) و«كشف غوامض المنقول من مشكل الآيات والآثار وأخبار الرسول» توفي بالقاهرة، وهو شيخ الشعراني.

الأعلام ٢٨٦/٤، وشذرات الذهب ١٧٤/٨، وكشف الظنون ١٨٨٢، وهدية العارفين ٧٤٢/١. تنزلوا من مقامهم للمريد انتفع بهم وإلا لم ينتفع فالإفادة منهم بالأصالة مجهولة وإيضاح ذلك أن رتبة الكامل التي أقامه الحق تعالى فيها ليست له وإنما هي للحق والكامل عبد لا يعترض على شيء من أفعال سيده فهو لا ينفع ولا يشفع ولا يدفع ولا يعطي ولا يمنع إلا بإذن خاص وأبى له بذلك من شأنه أنه مع الله تعالى دائماً على قدر الخوف لنظره إلى عالم المحو والإثبات والمصاحبة تقتضي الميل إلى الصاحب ضرورة والميل لا يخلو إما أن يكون لإثبات أو نفي وكلاهما ممتنع في حق الكامل فمن قدمه الحق تعالى قدمه ومن أخره الحق تعالى أخره وإنما ذلك إضافة نسبية ولا نسبة له في الإضافة فقلت له : فإذا وقع الإذن له كما تقدم بتقديم وتأخير هل يفعل فقال : نعم العبد من شأنه امتثال أمر سيده بالرضا والتسليم ولو أقامه في وظائف الظلم فإذا أمره الحق تعالى بمساعدة أحد في ولاية ساعده وعلمه أدب تلك الولاية ويصير ذلك المتولي تلميذا له بقدر ما تحقق به منه فقط لأن ما كل أحد يقدر على أن يرث الكامل في جميع مراتبه وقد كان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله تعالى عنه يقول: وعزة ربي ليقتسمن وظائفي سبعون رجلاً ويعجزوا عن القيام بها والله تعالى أعام.

وسألته رضي الله عنه : عن التكليف فإن فيه جمعاً بين ضدين من حيث كونه فاعلاً غير فاعل فكيف الأمر فقال رضي الله تعالى عنه : الألوهية مطلقاً قابلة للجمع بين ضدين فإنها قبلت التسمي بالمنتقم وليست الألوهية أولى باسم المنتقم من غيره من الأسماء فالحق تعالى إذا أمرنا بفعل شيء كأنه يقول يا عبدي افعل فإنك مأمور موجود ولا ترى أنك فاعل لأن الفعل لي وأت معدوم محدث وأنا الفعال لما أريد بفعلك لي وفعلك لك لأني غني عنك وعن فعلي فيك ولك ربك فإن رأيت أنك فعلت فقد أشركت وإن لم تر إنك فعلت : فأنت كافر جاحد فاحذرني وافعل كل ما أمرتك به واشهد الفعل لي ولا تنسب لنفسك فعلاً ولا أمراً إلا بقدر نسبة التكليف لتشكر على الحسن وتستغفر من القبيح وأنا الخلاق العليم والله تعالى أعلم.

وسألته رضي اله عنه: عن الصلاة على النبي ا، بالألفاظ المطلقة أو المقيدة أيهما أولى في حق المصلي وهل الإطلاق الذي يعتمد عليه في الصلاة مطلق عند الله تعالى : «وهل التقييد الذي نتبرأ منه مقيد عند الله أو مطلق» .

فقال رضي الله عنه: «لا تستعمل نفسك في شيء من حيث نظرك إلى إطلاقه وتقييده فإن الإطلاق غايته التقييد كما أن التقييد غايته الإطلاق»، مع علمنا بأن الأقوال الموصوفة بذلك غير مفتقرة إلى وصفنا لها بالإطلاق لاستغنائها بصفاتها الذاتية التي جعلها الحق لها حداً تتميز به عن غيرها ونحن لا اطلاع لنا على حقائق الذوات لنعرف ما تستحقه من الصفات المقتضية لذلك أو لغيره وكيف يمكن لأحد إيجاد العدم وقيامه


بالوجود وذلك خصيص بالجناب الإلهي أم كيف نحكم على الصفات التي هي أعراض ببقائها زمانين في جوهر واحد كذلك نقول في الصلاة على النبي ا، فإذا قال المصلي على النبي يية، اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد ما هو كائن في علم الله فقد استغرق هذا اللفظ والعدد والمعدود حساً ومعنى واستغرق أيضاً الزمن المطلق بأقسامه وكذا المستحيلات المضافة إلى القدرة والعلم فإذا كرر المصلي الصلاة على النبي يلف، مرة أخرى فعلى أي عالم يقع مع الاستغراق المطلق وإذا لم تساو رتبة المصلي هذا العموم والشمول لضيقه وحصره وتقييده فكيف يظهر عنه إطلاق والأعمال كلها لا تكون إلا على صورة عاملها قال يلف: «الولد سر أبيه»( ) فمن علم ذلك وتحققه علم أنه لا يظهر من عامل عمل ولا قول ولا صلاة ولا قراءة ولا وصف من الأوصاف إلا بحسب استعداده في ذلك الوقت وبحسب حقيقة رتبته في التوحيد إطلاقاً وتقييداً سواء كان ذلك اللفظ مطلقاً أو مقيداً وصل على نبيك كما أمرك الله أن تصلي عليه لتكون عبداً محضاً أمرك ربك بأمر فامتثلت أمره وكذلك فليكن فعلك في جميع عبادتك البدنية والقلبية والله تعالى أعلم.

وسألته رضي اللهعنه: عن التفكر والتدبر في القرآن هل يصح بغير آلة من العلم كما هو الأمر عند فقهاء الزمان.

فقال رضي الله عنه : العقل هو آلة الحق التي جعلها قاطعة بحدها كل شيء والتفكر والتدبر صفة من صفات العقل والقلب وعاء ذلك كله وإصلاح الطعمة أصل ذلك وغيره فإن الإناء إذا كان شفافاً كزجاج وبلور وياقوت ظهر ما فيه على صورة الإناء ولونه واستدارته وتربيعه وغير ذلك وإذا كان الإناء كثيفاً كالخشب والحديد والفخار لم يظهر لما فيه صورة ولا لون ولا يعرف له حقيقة ولا بل وإن على قلويهم ما نمكأضأ يكيبون» [المطففين: ١٤] وهذه الآية إذا طبع فيها الخير والشر دام مكثه ما لم تتغيت هذه النشأة من أصلها وطبعها وغير ذلك وهذا غير ممكن أصلاً لأن القدرة والإحاطة تابعان للصور قبل تكوينها إلا بعده وهذا سر من لم يشهده لم يعرفه ومن هنا يتحقق بسر القبضتين بعد انقضاء الأجل الموعود به وأطال في ذلك.

ثم قال وبالجملة فكيفما كان القلب متحققاً بالصورة التي هي حقيقته كان ما فيه كذلك فالحكم دائماً للقلب على القلب والروح وصفائها كما أنه محكوم عليه إصلاح الطعمة وفسادها وقد أشار إلى ذلك قوله ا: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح

(١) أخرجه علي القاري في (الأسرار المرفوعة ٣٧٨)، والفتني في (تذكرة الموضوعات ١٣٠) والسيوطي الحلبي في (الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ١٧٠)، والألباني في (الللة الضعيفة ٤٨).

الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فتأمل كيف أتى فيه بلقطة كل التي تقتضي حصر المجموع تعرف ما ذكرناه فالقلب إذا صلح كان بيت الله والملك وإذا فسد كان بيت الشيطان والهوى فلا يقبل البيت إلا ما شاكله فافهم، وكما أن الأحرف وعاء للمعاني فكذلك القلب وعاء لمعرفة الحق وكما أن الحرف إذا تغير بعض صورته أو صفته فسد ما فيه فعلم أنه ليس لناآلة يحصل بها العلم بالله وبالكون إلا العقل وبغير ذلك لا يمكن تحصيل علم أبداً كما أنه لا يصح دخول البيت من غير باب فافهم وتأمل فيه تفز بما تحبه والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن لذة العلوم عند إيجادها في القلب قبل أن توجد في النفس هل هي مفنية للإنسان عن حسه كالأمر في النفس أم لا فقال رضي الله عنه : إذا كان القلب وسع الحق فكيف لا يسع نفسه وما ظهر عنه ومنه فقلت له : عالم الغيب أوسع من عالم الشهادة الذي هو العين والحكم دائر مع العين إلا تفترق كما لا تفترق لا إله إلا الله محمد رسول الله ا فقلت له : فما الحكم في الإفاضة على النفس فقال : بحكم استعدادها وقربها من عالمها الأول أو بحكم تقييدها وعدم استعدادها وضعفه وبعدها من عالمها الأول فقلت له : فلا بد من الفرق فقال : فرق بلا فرق كخطاب قلبك لنفسك. وأنت أنت وهما عين نيتك فافهم.

وسألته رضي الله عنه : عن العلوم المتولدة عن الفكر هل هي مستقيمة في نفسها أم لا فقال رضي الله عنه : الحكم في ذلك الوقت وعلم الوقت يذهب بذهاب ه والذهاب عدم فلا حكم له ولا عليه فقلت له: هذا إذا كان الفكر بتفكر فإذا كان الفكر عن وقع في القلب في الوقت فذلك إلهام فقال لي بشرطه، ففهمت مراده والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن بقاء العلوم في لوح النفس والإدراك لها كيف صح مع كثرة واردات العلوم الفياضة على القلب فقال رضي الله عنه : العلم صفة وبقاء العلوم إنما هو لأجل حفظها في الصورة التي ظهرت عنها أعمالاً وأقوالاً وأنفاساً حالة وجودها والمدرك لها إنما هو بالصفاء الذي هو نور القلب المطلق والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن معنى قولهم العلم قد يكون حجاباً والجهل قد يكون علماً فقال رضي الله عنه : العلم صفة وكونك إليه صفة والصفة مع أخرى لا توجب نتيجة كالحكم في الأنثى مع الأنثى وأما قولهم الجهل قد يكون علماً فذلك عند الحيرة فإن العجز في الحيرة قد يكون علماً كما سموا العجز عن معرفة النفس علماً بها قلت :

(١) أخرجه البخاري في (الصحيح ٢٠/١)، ومسلم في الصحيح (المساقاة ١٠٣)، والبيهقي في (السنن الكبرى ٢٦٤/٥)، والزبيدي في (إتحاف السادة المتقين ٢٥٣/٦، ١٧١/١٠)، والعراقي في (المغني عن حمل الأسفار ٣٥٦/٤).


ورأيت في كلام الشيخ محيي الدين ما نصه إنما كان العلم حجاباً يعني عن معرفة الذات لأنه دائماً متقدم الرتبة على صاحبه وصاحبه خلف علمه لا يمكنه أن يتقدمه أبداً فهو دائماً حجاب على صاحبه مانع من معرفة الذات فما عرف من الذات إلا العلم لا صاحبه انتهى والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن التفكر في القرآن هل هو كالتفكر في غيره فقال : هو بحسب قوة الآلة في القطع وصلابة المقطوع ولينه ولم يزدني على ذلك والله أعلم.

فقلت له : فلم كان التفكر للمبتدي ينفعه ولمن هو أكمل منه يضره مع أن الحال في ذلك عند المسلكين وغيرهم بالضد من ذلك.

فقال رضى الله عنه : القلب والنفس وغيرهما من المعانى الباطنة تألف صفاتها وإذا ألفت التفكر ولدت وهماً والوهم يولد خيالاً والخيال مع التفكر يولد علماً والعلم يولد يقيناً فلا يزال المريد يترقى بهمته إلى غاية ما قسم له وأما الكامل فليس كذلك فيما ذكرناه بل يدرك في الزمن الفرد من العلوم ما لا يشاهد ولا يعلم ولا يوصف ولا يحصر مع أنه لا التفات له إلى ذلك فإن التفاته إليه يشغله عن عبوديته التي خلق لها ولا يليق بعاقل أن يشتغل بصفات نفسه عما يراد منه في ذلك الوقت لأنه يعلم أن جميع ما ظهر له من المعارف والأسرار إنما هو صفة له وتحصيل الحاصل فوت، ومن كلام سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه : العاقل من استعمل نفسه عند مولاه فيما يليق بها فإنها ما ظهرت إلا وهي مرادة للعمل بها باطناً وإنما دفعها إلى الظاهر قوة الاستعداد وأطال في ذلك.

وسألته رضي اللهعنه: عن دخول الشخص في مواضع التهم هل يؤثر ذلك في الكامل.

فقال رضي الله عنه : نعم ومن فعل ذلك أتلف أتباعه وكل من ملك نفسه خاف من مواضع التهم أكثر مما يخاف من وجود الألم فإن مواضع التهم توجب سقم القلب كما توجب الأغدية الفاسدة سقم البدن وسقم البدن أطباؤه كثيرون بخلاف سقم القلب فإن أطباءه قليلون فإياك يا أخي ومواطن التهم فإنها تحكم عليك ولو كنت بريئاً كما تحكم الشمس بضيائها وحرها على الظلمة والأمكنة بتنويرها وحرارتها وهما يريان من النور والحرارة.

وسألته رضي اللعنه: عن قوله تعالى: وأولم نثكن لين حرما داعا يجي إليه ثمرث كي سئء ؤدها يمنلدناً4 [القصص: ٢٥٧، هل هذا الرزق مقيد أو لكل من دخل هذا البلد.

فقال رضي الله عنه: اعلم أن أكمل البلاد البلد الحرام وأكمل البيوت البيت الحرام وأكمل الخلق في كل عضر القطب فالبلد نظير جسده والبيت نظير قلبه وتتفرع الأمداد


عنه للخلق بحسب الاستعدادات وإنما كان هذا مخصوصاً بهذا البلد لأن الأمداد لا تنزل على قلب أحد إلا بعد تجرده عن حسناته وسيئاته فيولد هناك ولادة ثانية كما أشار إليه الحديث : «إنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»( ) وحسنات الإنسان ذنوب بالنسبة إلى ذلك المحل الأقدس فقلت له: التجريد عن السيئات محله الموقف بعرفات كما ورد فالتجريد عن الحسنات أين يكون محله فقال : هو بحسب المراتب ولم أر ذلك إلا في باب المعلاة( ) فقلت له : فهل ذلك لا بد منه لكل حاج فقال : نعم ولا يشعر بذلك إلا من كان متمكنا عارفاً فقلت له: فمتى يكون اللباس فقال : عند قبره ا وذلك ليظهر له الحق تعالى كرامته وظهور نعمته على أمته فتقر بذلك عينه فقلت له : فإذا التجريد الأول إنما كان استعداداً فقال : نعم إلا أن بعض الناس الذين يرون نفوسهم هناك قد لا يفتح عليهم بشيء فيرجع إلى بلاده عارياً من الخير فلا يراه ولي الأعرف حاله فيمقته فلا يزال كذلك حتى يتعطف الحق تعالى عليه بالرحمة وربما مات بعضهم ممقوتاً نسأل الله العافية فقلت له : فمن رجع إلى بلاده بالفتح المحمدي وثمراته هل يقع له بعد ذلك سلب أو لا إذ هو هبات وعطايا له بحضرة رسول الله ا، فقال : قد يقع السلب في مثل ذلك تأديباً له حين يقع فيما لا يليق برتبته ثم إنه يعود له إذا بلغت العقوبة حدها فقلت له : وما حدها فقال : أن يأخذ في الذل والمسكنة والإنابة إلى الله تعالى وتبرراته وقرباته ولا يصير يرى نفسه على أحد من المسلمين فقلت له : فمن أكثر الناس سلباً فقال أهل الجدال لرؤيتهم نفوسهم على الناس ودعواهم صحة حجتهم وامتحانهم بالشر ويؤذون غيرهم من الفقراء والعارفين وكمل المؤمنين فقلت له: فمن أكمل الناس فتوحاً فقال: العارفون فإنهم كلما علت معارفهم وكثرت علومهم هضموا نفوسهم ورأوا نفوسهم أحقر الخلق أجمعين وذلك لعلمهم أن العلوم والمعارف صفات والصفات تؤخذ من ذات وتعطى لذات أخرى فلا اعتماد لهم على علم ولا معرفة دون الحق تعالى فقلت له : فهل القطب بمكة على الدوام كما يقال.

فقال رضي الله عنه :                  قلب القطب   طواف بالحق الذي     وسعه كما    يطوف الناس

بالبيت فهو يرى وجه الحق            في كل جهة  ومن كل جهة كما يستقبل الناس      البيت ويرونه

من كل جهة ووجهة لأنه متلق عن الحق تعالى جميع ما يفيضه على الخلق وهو بجسده حيث أراده الله تعالى فقلت        له : الكامل لا ينتقل                                   بجسده لسفر          أو غيره إلا     كأمثال الناس

فكيف ينتقل القطب بحكم              خرق العادة   فقال :                 الرتبة تحكم   عليه بذلك وإذا حكمت

(١) أخرجه ابن ماجة (إقامة ١٧٣-١٩٦)، (جنائز٨)، والنسائي (طهارة ١٠٧)، والموطأ (طهارة ٣١). (٢) المعلاة: موضع بين مكة وبدر بينه وبين بدر الأثيل (معجم البلدان ١٥٨/٥).

الرتبة على كامل فلا تؤثر في كماله فإن الكمال هو الرتبة فاعلم ذلك.

وسألته رضي الله عنه: عن المراقبة للحق تعالى على التجريد عن رؤية الأسباب والأكوان هل هي أتم من المراقبة للحق تعالى في جميع الحالات من غير تجريد ولا رؤية؟-

فقال رضي الله عنه : المراقبة لله تعالى عيناً لا تصح . لأن المراقب ما راقب إلا ما تخيله في نفسه، وتعالى الله عن ذلك فما راقب المراقب أو أنس إلا بما من الله لا بالله فافهم وأطال في ذلك.

ثم قال : واعلم أن المراقبة من حيث هي تنشأ عن إصلاح الجسد بواسطة القلب كما أن إصلاح القلب بواسطة إصلاح الطعمة وكما أن إصلاح الطعمة بواسطة الكسب في الكون مع التوكل على الله تعالى فإن التوكل هو عين المراقبة، وكان سيدي إبراهيم المتبولى رضى الله عنه يقول : المراقبة لله تعالى تكون من الله ابتداء ومن العبد فى النهاية اكتاباً ولذلك قال رسول اله يية : «أفلا أكون عبداً شكوراً)) ولم يقل شاكراً فلتحققه بالعلم هو شاكر ولتخلقه بالعمل هو شكور وفرق كبير بينهما فقلت له : فالتجريد عن رؤية الأسباب لا يكون إلا في عالم الخيال لأنه أفاد العلم والتجريد مع الاكتساب لا يكون إلا في عالم الشهادة لأنه أفاد العمل.

فقال : نعم. فقلت له فالعمل إنما هو ظهور صورة العلم لا غير فأي فرق فقال : تعلمه كما علمت بالله كل شيء فقلت له: لابد من بيان فقال : أنا وأنت تمييز عن البيان والبيان لما لا بيان له لا فائدة فيه ولو أن إنساناً عبر عنه بعبارة فلا تطيق القلوب تمسك ذلك لأنه غير مألوف ولا مشهود وأطال في ذلك.

وسألته رضي الله عنه : عن مألوفات النفوس والركون إلى عالم الغيب والشهادة وما فيهما من الأسباب والوسائط المطلقة والمقيدة لم كانت أكثر من الركون إلى الحق مع أنه أقرب إلينا من كل شيء إلى نفسه فقال: لكون.صفاته وأسمائه حكمت لنفسها بذاتها أنها قوى كل موجود وروحه غيرة منها أن يوجد معها غيرها بالعدم المطلق والعدم هو الغير حقيقة ومن هنا يعلم الفرق بين الإلوهية والربوبية وبين القدم والحدوث وبين العبد وذلته وبين الرب وقدرته وبين الروح والجسد ويعلم الفرق بين كل شيء كما هو توحيد أكابر الرجال والله أعلم.

(١) أخرجه البخاري (تهجد ٦)، (تفسير سورة ٤٨، ٢)، ومسلم (منافقين ٧٩- ٨١) ، والترمذي (صلاة ١٨٧)، والنسائي (قيام الليل ١٧)، وابن ماجة (إقامة ٢٠٠)، وأحمد بن حنبل ٤، ٢٥١، ٢٥٥، ٦، ٠١١٥

وسألته رضي الله عنه : عن لطعمة هل تؤثر في القلب أكثر مما يؤثر السلب فقال نعم، إلا أنه إذا استمر توجه القلب إلى الحق في كل حركة وسكون من غير علة فباب الفتح موجود ولا بد وما دام العبل متوجهاً فالمدد فياض على قلب من أريد له الكمال .

وسألته رضي الله عنه: عن ركون النفس إلى خرق العوائد فقال من سوء الأدب أن يألف العبد لنعمة دون لمنعم بها فإنه تعالى ما أعطاك النعمة إلا لترجع بها إليه عبداً ذليلاً ليكون لك رباً وكفيلاً ومعلوم أن الحق لا يكون رباً إلا لمن كان له عبد فإنم هو عبد نفسه أو عبد دنياه ودرهمه فانظ بأى شىء استبدلت ربك ن أنننرلر الذى هو أدفل يلذى هو لخع أفيطوا وصرا فإن لكم ما تاًنتر وصيبت عده ر ألذلة رالسنكنة وبآ.و بغضب يى اًلله٠ [البقرة: ٦١].

ؤسنتذيجهم تمن حيث لا يعلشون 4 [القلم: ٣٤٤ وأطال في الاستدلال ثم قال: وبالجملة فجميع المألوفات من جليل وحقير دون الله مذموم فقلت له : كلما دون الحق تعالى مجهول ومعدوم والحق معروف موجود فكيف تألف أو تركن إلى لجهل والعدم دون المعرفة والوجود فقال : الجهل والعدم أصل لظهورنا والمعرفة والوجود أصل لظهور الحق وما حصل بأيدي عباده من المعرفة والوجود ففضل ورحمة وما حصل بأيدي عباده من الجهل والعدم فعدل ونقمة ولا يظلم ربك أحداً .

<رئ ١ق ريهم يخشرون 4 [الأنعام: ٣٣٨ والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الأطعمة التي يرسلها إلى بعض الأخوان ممن لا يتورع عن شيء يأتيه من الولاة هل آكل منها أم أردها أم أقبلها وأفرقها على المحتاجين فقال رضي الله عنه : العبد لا ينبغي أن يكون له مع الله اختيار عند وجود المختار فكيف يكون له اختيار مع عدم المختار فكل مما يرسله الله تعالى إليك بقدر حاجتك ولا تزد على ذلك وأعط ما زاد على حاجتك لمن أراد الله تعالى ولا تدبر لنفسك حالأ محموداً عند نفسك تخرج عن رتبة المحققين واسأله أن يدبرك بأحسن التدبير فقلت له : فهل أسأل أن يرزقني حلالاً فقال نعم وقال : اللهم بارك لي فيه واسترني به في الدنيا والآخرة يا جواد يا كريم ثم قال : إياك والجزع في مواطن الامتحان فقلت له الصبر لا يكون إا باستعداد فقال : لا تقييد فإن الطرق إلى الله واسعة والاستعداد طريق واحد ومن سلم أمره إلى الله رزقه العلم والعمل حتى يكون إماماً والله على كل شيء قدير.

وسألته رضي الله عنه : عن المريد هل الأولى له أن ينزل جميع مهماته على شيخه أم يتحمل أموره عن شيخه فقال رضي الله عنه : الأولى أن يتحمل عن شيخه كلما قدر عليه ولا يحمل شيخه إلا ما عجز هو عنه لئلا تألف نفسه الراحة في الدنيا فيتلف بالكلية وشيخه ليس بمقيم له وفي الحديث أن رسول الله يللية قال لمن سأله مرافقته في الجنة : «أعنى على نفسك بكثرة السجود» فقلت له : فإذاً ليس له أن يتوجه بشيخه إلا فى المساعدة له فقط فقال نعم وإياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: ه] قال : وقد رأى أخوك أفضل الدين في المنام أنه مات وأنا حامل نصفه وهو حامل نصفه الآخر فعلت له التقصير منك الذي لم تحمل نصفك الآخر فإن من احتاج إلى غيره فهو ناقص إلا إن كان عاجزاً العجز الشرعي .

وسألته رضي الله عنه : عن الميزان التي يوزن بها الرجال فقال : هي وهب وكسب القلب بالقلب والبصر بالسمع وهما بالقلب أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين عجب من ستر لا يحجب وعدم الحجاب حجاب إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد على أن أصل الميزان واحد وإن جمعه الله تعالى في نحو قوله تعالى: ل ونضع آلمؤزين القسط ليؤم آلقيمة 4 [الأنبياء : ٣٤٧ كما أن أصل الإسلام واحد مع أنه بني على خمس فافهم.

وسألته رضي الله عنه : عن ملازمة غلبة الحال لصاحبه هل هي نقص أو كمال فقال نقص لأنه كلما خف الحال وأبطأ وجوده كان في حق صاحبه خيراً كثيراً وأين الحاضر من الغائب وأين الموجود من المعدوم فقلت له فهل غيبة الحال عن صاحبه أكمل في المعرفة فقال المعرفة نتيجة الثوب ونتيجة لابسه وإذا سلم من الآفات والقواطع وحال عن الحال بملكه للحال كان نفسه حالا لا صاحب حال وحينئذ يسمى عبد لله إن شاء صرفه في ملكه وإن شاء قبض عنه التصريف وإن شاء كشف له عن ملكوت السموات والأرض وإن شاء لم يكشف له إلا أنه لا يخرج من الدنيا حتى يتساوى مع أهل الكشف بالكشف في الكشف فما هو إلا تقديم وتأخير لا غير ثم قال : وأما نحن وأمثالنا فلا كشف محسوس ولا حس معقول ولا عقل ولا تقل ولا وصف لنا إلا العقل الملازم لنا في رتبة الإيمان العاري عن الدليل بالمدلول والبرهان والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن العبد إذا أعطاه الله تعالى الأمان من سوء الخاتمة أعليه ضرر فقال علمه باليقين في ذلك يوجب الخوف عليه من سوء الخاتمة فإنه ما علم حقيقة إلا يقين نفسه فعلمه علم الوقت يذهب بذهاب ه ولا وصول له إلى يقين ما يجكم فيه الحق تعالى قبل وبعد إذ لا تقييدعليه تعالى ومن أمن من سوء الخاتمة فقد قيد عليه سبحانه (١ ) أخرجه أحمد بن حنبل في (المسنل ٥٩/٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى ٤٨٦/٢)، والنسائي في (السنن ٢٢٨/٢)، والطبراني في (المعجم الكبير ٥٠/٥)، والألباني في (إرواء الغليل ٢٠٩/٢)، وابن كثير في (التفسير ٣١١/٢)، والبغوي في (شرح التة ١٤٩/٣)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء ٣٢/٢, ١٨/٩٢) والزبيدي في (إتحاف السادة المتقين ١٦٢/٣)، والسيوطي في (الدر المنثور ٢/ ١٨٢، ٨٤/٤)، والمتقي الهندي في (كنز العمال ١٩٠٠٦، ٢١٦٥٣)، وابن كثير في (البداية والنهاية ٣٣٤/٥).

بأنه لا يغير ما فعله ومن أين للعبد علم بذلك بل . لو قدر أن الله كلم عبداً بلا واسطة وأقسم عليه بنفسه تعالى إنه لا يمكر به وإنه سعيد فلا ينبغي للعبد أن يركن إلى ذلك لأنه تعالى واسع عليم ولا علة لثوابه أو عقابه في نفس الأمر كل يوم هو في شأن ولولا الأدب لقلنا كل، لمحة أو طرفة له شؤون لا تحصى إن كنت قلته فقد علمته وهو على كل شيء رقيب.

وسألته رضي الله عنه : عن التوحيد ما هو؟ فقال عدم قلت ووجود قال : ووجود فقلت : فإذا العدم وجود والوجود عدم فقال : نعم فقلت : فقد انعدم العدم لأنه عدم والعدم لا يعبر عنه ولم يبق إلا وجود كما كان وهو الآن على ما عليه كان فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

وسألته رضي الله عنه : عن الاسم والرسم هل هما حرفان أو حرف ومعنى فقال : المعنى لا يقوم إلا بالحرف والحرف قائم بالله فهو غني عن المعنى فقلت: فقوله: <ثآيا ألنأس أنت آلفقرء إلى أله 4 [فاطر: ه١].

فقال رضي اللهعنه : قد عقبها بقوله <والله هو الغني الحميده فقلت له : الذي عندي أن اسم الجلالة الأولى هو المعنى والاسم الثاني هو الحرف ولذلك قال: وهو الغني الحميد فقال : لا أعلم الآن أن أحداً من العارفين علم ذلك غيرك فقلت الحمد لله رب العالمين .

وسألته رضي الله عنه : أنا وأخي أفضل الدين أن نذهب إلى القرافة نزور الصالحين فقال ما معكما دستور فإن أصحاب النوبة اليوم من بلاد الشرق ما هم من أهل مصر فنسينا قول الشيخ وذهبنا فحصل لنا انحراف في القلب ما كنا إلا هلكنا فأما أنا ففارقته من نواحي شون السلطان بمصر العتيق فلقيني واحد منهم فما كانت روحي إلا زهقت وأما أخي أفضل الدين فاجتمع بأربعة نفر منهم على الهيئة التي كان وصفها لنا الشيخ فمنهم اثنان سألا له العافية والآخران حصل منهما المثاقلة فقال لهما : الله ورسوله أقوى منكما فذهبا فلما رجعا رجعنا حكينا للشيخ ذلك فقال : الحمد لله الذي ما صدفكما إلا هؤلاء ولو أنه صدفكما أحد من كبار أصحاب النوبة لهلكتما لأنه لا طاقة لأحد بهم فلو توجهوا إلى جبل لهدموه فقلت له : فما يخلصنا من أصحاب النوبة إذا مررنا بهم في أدراكهم وأخطاطهم فقال الأدب إذا خرج أحدكم إلى مكان خارج داركم فليقل دستور يا أصحاب الخط الفلاني وليحذر أن يلهو أو يلعب أو يمزح لأنهم يحبون (١) القرافة: مقبرة أهل مصر وبها أبنية جليلة ومحال واسعة وسوق قائمة ومشاهد للصالحين وترب للأكابر (معجم البلدان ٣١٧/٤).

من يحفظ معهم الأدب فمن ذلك اليوم ما خرجت إلى مكان بعيد إلا قلت دستور يا أصحاب النوبة وغفلت مرة تجاه البيمارستان فأحسست بنفسي كأن ورائي تمساح كبير يريد أن يبتلعني فالتفت فإذا شخص منهم أشعث الرأس كات عينيه جمرتان فقال : اصح لنفسك وتركني فالحمد لله رب العالمين.

وسألته رضي الله عنه : هل أتكرم وأوثر أهل القله أم أتأدب مع الله تعالى الذي أفقرهم فقال الأدب ارجع عندي فإنه ما أفقر غنياً إلا لحكم أراد إظهارها فلا تجهل فإن كل ما في الوجود بمرأى من الله تعالى ومسمع فاصحبه تعالى بالأدب ومعه ومع مصنوعاته بما هي عليه في تلك الحالة التي شهدتها ولا تطلب نقلها عن تلك الحالة بغير إذن صريح منه وربما خالفت الأدب وطلبت أن تغني من أفقره الله فيحول تعالى ذلك الحال إليك وينقلك عما تحبه وترضاه إلى ما لا تحبه وترضاه كما طلبت أن تنقل ذلك العبد عما أحبه الله ورضيه له ثم إن عفا عنك ولم يعاقبك فقد يكون ذلك العفو استدراجاً لك من حيث لا تشعر فتهلك مع الهالكين.

وسألته رضي الله عنه : هل أصحب أحداً من مشايخ العصر لآخذ عنه الأدب فقال : لا تفعل ذلك في حياتي أبداً وأما بعد موتي فإن وجدت أحداً مخصوصاً بالبلاء من الكمل فاصحبه وشاركه في البلاء الذي هو التصدر للطريق فقلت له فمن لم يكن مخصوصاً بالبلاء فقال : ذلك لا يمكنه الظهور لتربية أحد لأنه يرى الستر واجباً عليه ثم قال : واعلم أنه لا يظهر الأدب إلا العمل كما أنه لا يظهر العمل إلا العلم ولا اليقين إلا الكشف قال تعالى : فليستجيبوا إلي أي بالعمل كما أستجيب لهم في العلم وليؤمنوا لي باليقين، كما أستجيب لهم في الأدب فافهم.

وسألته رضي الله عنه : عن المسببات هل لها أسباب مخصوصة لا تقبل غيرها أم لا؟ فقال لي : ما مذهبك فقلت : مذاهب العلماء المشهورة هو مذهبي فقال : الذي أذهب إليه إن الأسباب كالمرائي المجلوة القابلة لظهور الصور والمرآة الواحدة تعطي حقها من الظهور كما أنها قابلة لكل ما يظهر فيها من لطيف وكثيف والأعيان التي هي المسببات مرآة واحدة غير منقسمة ولا متناهية ولا متكثرة في الحقيقة وإنما هي انطباع أسماء المتجلي وصفاته في مرآة الذات الأحدية فالتنوع الواقع من المتجلي لا من غيره قال تعالى: حؤووعنئ رتك ألا تقبدواً إلآ إياه [الإسراء : ٢٣] فكل من عبد غير الله تبرأ منه، معبوده إلى الله فلا تقع عبادة ذلك العابد إلا لله تعالى ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً انتهى.

(١) البيمارستان: المستشفى (مع) فارسي.

(٢) الشعث: التلبد والتغبر.

درر الغواص - م٣

وسألته رضي الله عنه: في عالم الخيال عن قوله تعالى؛ ۶للآ أفيست يموقع آلنجومك [الواقعة :٧٥] ما المراد بها فقال : هي قلوب العارفين فقلت : له ما المراد بكون . الشمس سراجاً والقمر نوراً فقال : وارث ومورث ولم يزد على ذلك ففهمت ما تحته والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن عالم التقييد وعالم الإطلاق وأيهما أكمل فقال : التقييد حقيقة إطلاق كعكسه لسعة الإطلاق إذ إطلاق الحق لا مقابل له فلو كان له مقابل لكان كالتقييد على حد سواء فقلت له : فما تحقيق العبارة فقال : وهما صفات لذات أحدية بريئة عن المنكر والشبيه ومعلوم أن لصفات توجب المثلية وغيرها كما أوجبت الذات على نفسها انعدام الصفة والإسم فافهم .

وسألته رضي الله عنه : عن قوله تعالى : وولا يركوا إلى ألنين للواً فتمسكم ألنار [هود: ١١٣]، الآية فقال: هذه الآية متضمنة لعدم اختيار العبد مع ربه وهو مقام إبراهيم الخليل الذي أمرنا اله باتباعه، إذا علمت ذلك فاعلم أن الأمر كان صفة من صفات النفس، كما أن الظلم أيضاً صفة من صفاتها فهي موصوفة بالظلم والأمر كان في هذه الآية لاعتمادها على نفسها ودعواها أنها أعلم وأكمل من غيرها ولو تعلم ذلك من نفسها لما ظهر عنها فعل ولا أمر قبيح، فهي جاهلة بمعرفة نفسها ظالمة لحق ربها، حيث لم تسند إليه جميع أقوالهاوأفعالها وحركاتها وسكناتها الظاهرة والباطنة ثم لا يخفى أن الظالم لحق به معذب بنار نفسه وشهوته. لا بالنار المحسوسة المعدوم تعذيبها بعدم جسد المعذب، وانظر إلى إبراهيم عليه السلام حيث لم توثر فيه نار الحس، كذلك لم يؤثر فيه نار الشهوة، وانظر كذلك إلى البرد الذي وصفه الحق تعالى بالنار : تجد ذلك إنما كان من صفة برد باطنه من حر التدبير المفضى إلى الشرك الأكبر فى قول الحق حكاية عن قول لقمان لابنه: ويبف لا ترك يأله إك آلينك لظذ عظيع 4 3لغمان: ٤١٣ فالظالم لحق ربه معذب بالبعد عنه ومتقرب إلى هواه الذي جعله معبوداً له ومتوجهاً إليه، قال تعالى: <أنزرت من أخذ إلهم تونه وأضأه أفئ عل عل 4 [الجائية؛ ٢٣] فوصف الحق تعالى له بالعلم في هذه الآية إنما هو لكونه لم يتخذ له إلهاً خارجاً عنه وبعيداً منه، والإله من شأنه القرب وما ثم أقرب إلى الإنسان من نفسه لنفسه، لأن هواه الذي عبده عالم بما يظهر من سره ونجواه بخلاف الإله المجعول في الظاهر فإنه غير عالم بمصالح تلك النفس وأحوالها لبعده وعدم علمه، وأيضاً فإن النفس العابدة لهواها هي المعبودة في الحقيقة، وإنما صفاتها عابدة لذاتها فلذلك نبهنا الله تعالى بقوله : ووف أشيك دولا بورونج [الذاريات: ٢١] وفي قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «من عرف نفسه عرف ربه» فنبه على ذلك أيضاً، فإن المعرفة تكررت وهي لا تقبل التكرار، والنفس والرب قبلا التكرار فرضي اله عن الإمام على مظهر التوحيد فتأمل ذلك فإنك لا تجده في كتاب .

وسألته رضي الله عنه: عن قوله تعالى : فوإن ألني ةالواً ربكا أقه ركت أنتقمواً تتنزل عليهه ألمليكة ألا تخافراً ولا تحزنواً وأبثيرواً يآلجنة ألق كنتح رعكدوده [فصلت: ٣٠]، من الموصوف حقيقة بهذه الأوصاف فقال رضي الله عنه: هذه الآية مخصوصة بأكابر الأنبياء وكمل ورثتهم في ظاهرها وعامتهم في باطنها من وجه آخر فقلت له : كيف؟ فقال : إن الذين قالوا ربنا الله كمل الأنبياء ثم استقاموا محمد يكيف تتنزل عليهم الملائكة عامة النبيين أن لا تخافوا ولا تحزنواكمل العارفين وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون جميع المؤمنين، فقد بينت هذه الآية مراتب الكمل كما بينت التي تليها صفاتهم وأحوالهم وهذه الآية من الجوامع قال: ولولا خوف الهتك لأستار الكمل لأظهرنا لك من هذه الآية غعجباً والله تعالى أعلم.

وسألته رضى الله عنه: عن تفسير سورة التكوير والانفطار لأمر ورد على أدى إلى السؤال عن ذلك فقال رضي الله عنه: وإذ آلشمش كيرت [التكوير: ١] ظهرت وباسمه الباطن ظهرت ولم تظهر ولم تبطن إنك لعلى خلق عظيم وانقسمت بعد ما توحدت ثم تعددت وانعدمت بظهور المعدود، والقمر إذا تلاها ثم تنزلت بما عنه انفصلت بما به اتصلت واتحدت، ووآل نجي إذا تو٠ئه [النجم: ١] ثم تنوعت بالأسماء واتحدت بالمسمى وظهرت من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، ثم رجعت على نحو ما تنزلت ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض، وبالجبال سكن ميدها، وميدها هو فسادها، ثم اتصفت وبعدت بما وصفت عما به اتصفت وما إتصفت إلا بما له خلقت فخلقت وانحرفت فحشرت وبأعمالها انحشرت ولحدوثها انمدت كل ميسر لما خلق له، قل كل يعمل على شاكلته، ثم انعدم التقييد بوجود الإطلاق وانخرق الحجاب وتعطلت الأسباب وطلبت القلوب ظهور المحبوب ليكون معهم كما كان وهو الآن على ما عليه كان لكن هم الذين حجبوا عنه يوم يأتيهم الله في ظلل من الغمام.

<وإدا آلننوس زوجى ه [التكوير: ٧]، وبزوجها تعلقت، ولجثتها تشوقت، وبحقيقتها اتصلت، ولمظاهرها تعددت، وبها تنعمت ووالنفي آلساف يآلساق إل ريك غين آلمساقه [القيامة: ٢٩، ٣٣٠، ووإذ^آلموءرد: شيلت يأى ذش قيلت» [التكوير: ٨، ٩]، والروح لم تقتل لأنها حية وإن قتلت فبمحبوبها قتلت وإن سئلت فيه فقاتلها محييها بقتلها ومماتها، والموت عدم العلم، والعلم عند الله لأنه عالم بالقاتل وما يستحقه فجزاؤه عليه ورجوعه إليه، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وولذاً الكصف فيرت» [التكوير: . ١]: بالأعمال التي هي علوم القلب المفاضة على الجوارح، فالعمل صوره كما أنه روحه فمن لا روح لصوره لا نشر لصحفه، وسيرى الله عملكم ورسوله يرى عملكم لأنه المجلم والله العامل المنزه عن الرؤية بالأبصار والقلوب المقيدة بغيره، يحشر المرء على دين خليله ووإذاً آكمآء كعلب ه [التكوير: ١١] لأن السماء علوم والوجود يومئذ الأعمال، فووجدواً ما عملوأ حاضراً 4 [الكهف: ٤٩]، الحكم يومئذ لله، بإسمه الله لا باسمه الرب فحكم الله يعم وحكم الرب يخص، ثم إلى ربهم يرجعون ولا وجود لععه مع ذاتها، وإذاً آلنججيم سعرذف [التكوير: ١٢]: نار الخلاف اشتعلت وبالأعمال المظلمة عذبت، إنما يريد الله أن يعذبهم ببعض ذنوبهم، فما عذبهم إلا بهم وما رحمهم إلا به، والواحد ليس من العدد لأن الواحد موجود مستور والعدد معدوم مشهود، ف وإدا آلآنح أزلفت علمت نفس ماً أحضرتا [التكوير: ١٣، ٣١٤: كذلك. <علا أقيم يللن للور الكن وأيل إدا عسعس والصنح إذاً نفس إته لقول رسولكو^ [التكوير: ١٥، ١٩]: لأن الرسول هو المستوي بنبوته على عرش ولايته وهم العيون الأربعة تسقى بماء واحد. ففى قوة عند ذى آلعري مكين^ [التكوير: ٠ ١] هو العرش المطلق لذلك اليوم المطلق يتجلى المعبود المطلق على العابد المطلق الذي هو إطلاق المقيدات كما بدأنا أول خلق نعيده. ف مطاع بم أمين ه [التكوير: ١ ٢] إلى آخر السورة : صفات ونعوت وأسماء للموصوف المنعوت بالأسماء والله تعالى أعلم.

وأما تفسير سورة الانفطار فهي كتفسير سورة التكوير إلا أنه في البرزخ مع بقاء نسب وحجب ليست كهذه ولا كتلك، لأنه عالم خيال لا حقيقة له ثابتة، وهو محل تجلي الصفات الإلهية، كما أن الدار الآخرة محل تجلي الذات العينية لقوله في الحديث : «إنكم سترون ربكم»( ) وأما الدار الأولى التي نحن فيها الآن: فهي محل تجلي الأسماء الخاصة بالربوبية فكل عالم من هذه العوالم الثلاثة قيوم به مظهر فرد من الأفراد الثلاثة الذين هم آدم وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، فآدم خصيص بالأسماء، وعيسى خصيص بالصفات، ومحمد خصيص بالذات، فآدم فاتق لرتق المسميات والمقيدات بصورة الأسماء، وعيسى فاتق لرتق الصفات البرزخيات بصورة الصفات، ومحمد يللفة فاتق لرتق الذات وراتق الأسماء والصفات لأن الخصيص بالمظهر الآدمي إنما هو الآثار الكونية، فظهرت عجائبه وتنوعت حقائقه ورقائقه، وأما الخصيص بالمظهر العيسوي فهو المعارف الإلهية، والكشوفات البرزخية، والتنوعات الملكية، والتنفسات الروحانية. وأما الخصيص بالمظهر المحمدي فهو الجمع والوجود والإطلاق عن الصفات والحدود، وذلك لعدم انحصاره بحقيقة أو تلبسه بقيد شريعة، بل سره جامع ونظره لامع فهو الأول والآخر والظاهر والباطن. وقد ولج كل من هذه الأفراد الثلاثة عالمه المختص به في هياكلهم التي

(١) أخرجه أحمد بنحنبلفي (المسند ١٦/١)، وابن أبي عاصم في (السنة ١٩٤/١-٢٨٢) والبيهقي في (الأسماء والصفات ٤٦٠).

هم عليها الآن، ولم يكن ذلك لغيرهم، فآدم عليه السلام تحقق ببرزخيته أولاً قبل نزوله إلى هذا العالم، وعيسى كذلكإلى الآن في المحل الذي ولجه آدم مع ما اختص عليه من حقائق الصفات وإحاطتها على عوالم الأسماء، وترك الأرض وصعد إلى السماء الدنيا، وعرف جميع أحكامها وتعلقاتها، ثم ولج البرزخ باستفتاحه السماء الدنيا إلى انتهائه الذي هو السماء السابعة، ثم أولج باستفتاحه عالم العرش إلى ما لا نهاية له ولا يمكن التعبير عنه إلا بالوصول إليه، ولا وصول إليه، فلا يصح لأحد أن يعبر عنه لحقيقة إطلاقه، ولذلك ادخر يلث دعواته ومعجزاته الخصيصة به إلى ذلك اليوم المطلق الذي لا يسعه غيره، فإنه لو أظهر ذرة من معجزاته التي هي من خصائصه في هذه الدنيا لتلاشى العالم بأسره لأنها كلها تجليات ليس فيها رائحة الكون المقيد، فهي بريئة عن المثلية وما ظهر هنا من معجزاته فإنما ظهر لمشاركته خصوص المرسلين له فيه لأنها كلها كونيات مرسيات متخيرات متقطعات بخلاف ما سيظهر حكمه فيالدار الآخرة الخصيصة بما يناسبها من الإطلاق وعدم الانقطاع فيوم آدم ألف سنة ابتداء يومه وآخره كونه شفعاً وذلك من سر أوليته وأصل إنشاء العوالم وظهورها كالواحد مع الأعداد، ويوم عيسى سبعة آلاف سنة ابتداؤه ونهايته خمسون وذلك لكونه بعث آخر الدنيا وأول البرزخ وذلك سبعة أيام، ويوم محمد ا، خمسون ألف سنة ابتداؤه ولا نهاية له لأنه حقيقة الروح الكلية التي انفتحت في برزخيته بصور العالم الإلهية والكونية فلذلك قال: «تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة»(١) فمن أمعن النظر علم حقائق الكون ومراتبه علماً يقيناً وعلم أيضاً ما يمكن تغييره هنا وما لا يمكن تغييره هناك انتهى ما استمليته منه رضي الله عنه عما فتح الله به على قلبه من تفسيره بعض إشارات السورتين وهو كلام غريب ما سمعناه من غيره فالحمد لله رب العالمين.

وسألته رضي الله عنه: عن النور الذي يظهر على وجوه قوام الليل وغيرهم من العباد، هل هو علامة خير أو علامة شر؟ فقال: هو علامة شر لأن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً جعل نوره في قلبه ليعرف ما يأتي وما يذر وإذا أراد بعبده شراً جعل نوره على وجهه وأخلى قلبهمن النور فوقع في كل رذيلة وكذلك كان أكمل الأولياء الملامتية لكونهم على أعمال صالحة لا يقدر أحد على القيام بها ومع ذلك لا يتميزون عن العامة بشيء فكانوا مجهولي القيام في الدنيا لا يعلمهم إلا الله، وحفظ الله تعالى عليهم رأس مالهم فلم ينقص منه شيئاً، بخلاف من ظهرت عليه أمارات الصلاح فإن الناس يتبركون به ويثنون عليه بذلك فربما استوفى بذلك حظ عبادته والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن الفقراء الذين لا يتحملون شيئاً من بلايا الخلق

(١) أخرجه مسلم (زكاة ٢٤)، والنسائي (زكاة ٢)، وأحمد بن حنبل ٢، ١١٢، ٣٨٣، ٤٩٠. ويزعمون أنهم مسلمون لله هل هم أكمل أم الذين يتحملون البلايا عن الناس؟ فقال رضي الله عنه : الذين يتحملون أكمل لزيادتهم بنفعهم للناس مع أن التحمل لا ينافي التسليم.

فقلت له : فهل يحل للمتحملين للبلايا أن يأكلوا من هدايا من تحملوا عنه البلاء؟ فقال : نعم لأنه كالجعالة على عمل معلوم من قضاء الحوائج، بل هو من أجل الكسب لأن صاحبه قد خاطر بالروح في دفع ذلك البلاء والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن أرباب الأحوال الذين يظهر عنهم الخوارق مع عدم صلاتهم وصومهم كيف حالهم؟ فقال : ليس أحد من أولياء الله له عقل التكليف إلا وهو يصلي ويصوم ويقف على الحدود، ولكن هؤلاء لهم أماكن مخصوصة يصلون فيها كجامع رملة لد وبيت المقدس، وجبل ق، وسد إسكندر وغيرها من الأماكن المشرفة أو التي انكسر خاطرها بين البقاع بقلة عبادة ربها فيها، فأرادوا جبر خاطرها وإكرامها بالصلاة قال: ومنهم الآن الشيخ عبد القادر الدشطوطي والشيخ أبو خودة وجماعة، ومنهم جماعة يصلزن بعض الصلاة في هذه الأماكن، وبعضها في جماعة المساجد وكان سيدي إبراهيم المتبولي يصلي دائماً في الجامع الأبيض برملة لذا فكان علماء حارته ينكرون عليه ويقولون لأي شيء لا تصلي الظهر أبداً مع كونه فرضاً عليك كغيره من الصلوات الخمس فيسكت والله تعالى أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن هؤلاء الذين قصدوا التسليك للناس من الفقراء في أرض مصر مع جهلهم بعض أحكام الشريعة هل يقدح ذلك في كمالهم؟ فقال : نعم لا ينبغي للفقير التصدر في الطريق إلا إن كان عالماً بالشريعة المطهرة مجملها ومبينها وناسخها ومنسوخها خاصها وعامها بحيث لو انفرد في جميع الأقاليم لكفى أهلها في جميع ما يطلبونه من العلم ومن لم يبلغ إلى هذه الدرجات فليس هو من كمل الرجال وليس له التصدر في الطريق إنما حكمه حكم بعض طلبة العلم يرشد الناس من العوام إلى بعض أحكام دينهم الظاهرة، وليس له في طريق القوم قدم لأنها كلها طريق غيب غير محسوس للناس وما تميز الفقراء عن الفقهاء إلا بهذه الطريقة فأحاطوا علماً بأحكام الشريعة وأسرارها والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة هل أدخل في حملاة الناس أم أمتنع؟ فقال: لا أرى الامتناع من ذلك إلا أولى لك لأن غالب الناس قد (١) لد: وهي قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين بابها يدرك عيسى ابن مريم الدجال فيقتله.

ولد اسم رملة. (معجم البلدان ٥/ ٥ ١).

استحقوا نزول البلايا والمحن والخسف والمسخ وأيش جهد ما تعمل.

فقلت له : قد قال تعالى : وولقلا دفع آلله آلناس بعضهم ببغف لفسدي اً٠لأزخر١١ه [البقرة: ٢٥١] فقال: صحيح ولكن فيما يقدرون ثم قال: جميع الأولياء الأحياء والأموات قد تزحزحت أبوابهم للغلق وما بقي مفتوحاً إلا باب رسول الله يلة، فانزل كل شيء توجه به الناس إليك برسول الله ا، فإنه شيخ الناس كلهم وحكم الخلق كلهم بالنسبة إليه كالعبيد والغلمان الذين في خدمته، فهو يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه: متى يكمل العالم في درجة العلم؟ فقال: إذا صار الشارع مشهوداً له في كل عمل مشروع وصار يستأذنه في جميع ما يأمر به الناس وينهاهم عنه عن الأمور المستنطة، ويفعل بما يأذن له فيه منها فإن المجتهد قد يخطىء.

فقلت له : هذا فيما يأمر به الغير فكيف حاله فيما يفعله هو؟ فقال : لا يكمل في مقام العلم حتى يستأذن ه فيكل أكل وشرب ولبس ودخول وخروج وجماع وغير ذلك من سائر الحركات والسكنات، فإذا فعل ذلك كان كاملاً في العلم والأدب وشارك الصحابة في معنى الصحبة والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : هل أزور إخواني في هذا الزمان أو أترك الزيارة خوفاً أن أشغلهم بزيارتي عن أمر هو أهم منها؟ فقال : حرر النية المالحة أولا ثم زر ولو مرتين في النهار وليس اللوم إلا على من يزور لغرض نفساني، ثم قال: احذر أن تشغل من تزوره عن الله أو عن حرفته التي أمره الله بها فإن غالب الناس لا يراعي مثل ذلك فيكون ذلك اليوم غير مبارك على الزائر والمزور والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الحديث : «إن الله يكره الحبر السمين» فقال : الحبر هو العالم وإنما كرهه الحق تعالى حين يسمن لأن سمنه يدل على قلة ورعه إذ لو تورع عن الشبهات لم يجد شيئاً يشبع منه حتى يسمن فقلت له : فما المراد بالراسخين في العلم فقال : الراسخ في الشيء هو الذي لا يتزلزل عنه .

فقلت له : فإذا ذلك مدح ظاهراً ذم باطناً لعدم ترقيه حينثذ فقال : نعم وما يذكر إلا أولو الألباب ولذلك كان العارفون لا يتقيدون بعلم شيء ظهر لهم لدوام نرقيهم فلهم في كل لمحة علم جديد كالمجتهد سواء والله أعلم.

( ١) أخرجه العجلون ي في (كشف الخفاء ٢٨٩/١) والشوكاني في (الفوائد المجموعة ٢٨٩) والفتني في (تذكرة الموضوعات ٢٦) والسيوطي الحلبي في (الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ٤٩).


وسألته رضي الله عنه : عن ادخار القوت هل هو محمود لاطمئنان الجزء الذي فينا يحمل هم المعيشة فقال : ليس لفقير أن يدخر القوت إلا إن كان على بصيرة بأنه قوته وحده، ليس لأحد فيه نصيب، ويكون الحق تعالى عجل له قوت العام مثلاً فضلاً منه، فإن لم يكن على بصيرة وكشف فليس له أن يدخر، لأن الحامل له على ذلك إنما شح في الطبيعة، فقلت له : فإذا أطلعه الله تعالى على أن ذلك قوت عياله مثلاً لا يصل إليهم إلا على يديه فهل يدخر؟ فقال نعم، فقلت له : فإن علم أنه رزقهم ولكن لم يطلعه الحق تعالى أنه يأتيهم على يديه هل له ادخاره : فقال : لا، فقلت له فإن أطلعه الله تعالى على أن ذلك لا يصل إليهم إلا على يديه لكن في زمان معين لم يأت؟ فقال : هو بالخيار حينئذ إن شاء أمسكه إلى ذلك الوقت وإن شاء أخرجه عن يده، فإنما هو حارس ولم يأمره الحق بإمساكه وإذا وصل ذلك الوقت المعين فإن الحق يرده إلى يده حتى يرده إلى صاحبه، قال: وهذا أولى لأنه يكون بين الزمانين غير موصوف بالادخار، فإنه خزانة الحق لا خازن الحق والله تعالى أعلم.

وسألته رضي اللهعنه: عن حج بعض الفقراء فيكلسنة من غير زاد ولا راحلة هل هو محمود؟ فقال: هو مذموم شرعاً لأن اله تعالى فرض الاستطاعة في فرض الحج ونقله خوفاً من تحمل منن الناس في الطريق ووقوعه في الحقد والكراهة لكل من لم يطعمه ولم يركبه، هذا أمر لازم ومقابل عن السلف من نحو ذلك، إنما كان ذلك لكثرة رياضة نفسه فراضوا نفوسهم بالجوع حتى صارت تصبر على الطعام أربعين يوماً وأكثر، وبعضهم حج من مصر بأربعة أرغفة حملها معه أكلفيكل ربع من الطريق رغيفاً وبعضهم حج برغيفين رغيف أكله بمكة ورغيف أكله في العقبة، وبعضهم أكل في مصر من يوم خروج الحجاج فلم يأكل ثيئاً حتى رجع مصر. فمثل هؤلاء يسلم لهم حالهم، وأما من يسلق الناس بألسنة حداد فسفره حرام والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن حديث : «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» كيف ذلك؟ قال: هو العالم الذي يأمر الناس وينهاهم ولا يعمل هو بعلمه أو يعمل بعلمه ويقتدي به الناس، فإذا كان في أواخر عمره رغب في الدنيا وترك الزهد والورع فيموت على أسوأ حال نسأل الله العافية .

وسألته رضي الله عنه: عن السبب الذي أجاب به الأشياخ مريديهم في قبورهم وحرم ذلك الفقهاء مع أئمتهم؟ فقال: هو كثرة الاعتقاد الصحيح، فالفقير يعتقد في

(١) أخرجه البخاري (جهاد ١٨٢) (قدر ٥) (مغازي ٣٨) ومسلم (إيمان ١٧٨) والدارمي (سير ٧٣) وأحمد بنحنبل(٣٠٩،٢).


شيخه أنه حى فى قبره والحى يجيب من ناداه والفقيه يعتقد إمامه مات والميت لا يجيب من ناداه، ثم قال: والل لو صدق الفقيه في اعتقاده الإمام الشافعي أو الإمام الليث أو الإمام أشهب أو الطحاوي لأجابوه من قبورهم كما أجابوا من ناداهم من الفقراء الذين يعتقدون حياة هؤلاء الأئمة في قبورهم، فالأمر تابع لاعتقاد المريد لا للمشايخ والله أعلم.

وسألته رضي اللهعنه : عن قوله تعالى: ففإفى قرييب 4 [البقرة: ١٨٦) فقال: في ذلك بشارة عظيمة لنا لإفاضته حينئذ فضله علينا، لكوننا أقرب جار له تعالى وهو أولى من وفى بحق الجوار وإذا لم نعلم به نحن فنحن أولى بمغفرته ورحمته وعفوه وصفحه من سائر المخلوقات فالحمد لله رب العالمين.

وسألته رضي الله عنه : عن الخواطر القبيحة والشهوات الغالبة التي يستحيا في العرف عن الإفصاح بها هل يصرح بها المريد لشيخه أو يكتمها عنه باللسان ويذكرها له بقلبه؟ فقال : الإفصاح عنها للشيخ أولى لأنه لا عورة بين المريد وبين شيخه إذ هو طبيبه، ولا يكلف الشيخ بالمكاشفة عن حال المريد هكذا درج الأشياخ من السلف حتى أنهم سموا الكشف عن قبائح المريد كشفاً شيطانياً يتوبون منه ويستغفرون، وما كتم مريد عن شيخه شيئاً إلا خان الله ورسوله وخان نفسه وشيخه، وربما مات برأيه مع تلبسه بصورة النفاق حال حياته، فإنه كان يظهر للناس خلاف ما هو في الباطن، ثم قال : وقد بلغنا عن الشيخ زور فهار العجمي المدفون بقرافة مصر قريباً من سيدي يوسف العجمي رضي الله عنهما أنه كان يصيح في حرم مكة من شدة العشق حتى ربما أسقطت الحوامل من شدة صياحه، فمنعوه المطاف وصار يطوف بعيداً في جوانب

(١) هومحمد بنإدريس بن العباس بنعثمان بن شافع الهاشمي لقرشي المطلبي أبو عبد لله (٠ ١٥ - ٢٠٤ه= ٧٦٧ - ٨٢٠ م) أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه نسبة الشافعية كافة ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد وقصد مصر فتوفي بها (١٩٩) كان فقيها وذكياً مفرطاً له تصانيف كثيرة أشهرها كتاب «الأم» «المسند» «الرسالة» و«اختلاف الحديث" و«السبق الرومي» «فضائل قريش» وكثير غيرها.

الأعلام (٢٦/٦-٢٧) وتذكرة الحفاظ (٣٢٩/١) وتهذيب التهذيب (٢٥/٩)، والوفيات (٤٤٧/١) وإرشاد الأريب (٣٧/٦، ٣٩٨).

(٢) هو الليث بنسعدبنعبد الرحمن الفهمي: بالولاء، أبو الحارث (٩٤ -١٧٥ه=٧١٣-٧٩١ م) إمام أهل مصر في عصره حديثاً وفقهاً أصله من خراسان ومولده في قلقشندة ووفاته في القاهرة كان كريماً جواداً أخباره كثيرة وله تصانيف ولابن حجر العسقلاني كتاب «الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية» في سيرته.

الأعلام (٢٤٨/٥)، وفيات الأعيان (٤٣٨/١)، تهذيب التهذيب (٥٩/٨) تذكرة الحفاظ (١/ المسجد، ثم إن الله تعالى حول ذلك العشق الرباني إلى عشق جارية مغنية فجاء إلى الصوفية وقال : خذوا خرقتكم أنا فتنت بحب فلانة وتحول عشقي وصياحي إليها فلا تظنوا أنني باق على ما تعهدوه مني ثم صار يحمل لها العود إلى محل الغناء والسكر مدة سنة، ثم حول الله عنه ذلك الحال إلى الحال الأول من الصوفية وقال ألبسوني الخرقة فإني رجعت إليكم فقال له بعضهم : هلا كنت سترت نفسك فقال : لا أحب أن أكذب في الطريق، رضي الله عنه.

وسألته رضى الله عنه : عن قوله تعالى : وومن يتق ألله يجعل له مخيجا ويرزقه من حيث لا يحتيئ ه [الطلاق: ٢، ٣]، هل يشمل الرزق المعنوي كالعلوم والمعارف وهل يخاف على ذلك الرزق من السلب أم صاحبه آمن أن يسلب منه؟ فقال: كل ما جاء للعبد من غير سؤال أو بسؤال عن إذن إلهي خاص فهو منة من الله تعالى لا حساب على صاحبه في الآخرة ولا يسلب منه بخلاف ما كان بالضد من ذلك فإن الآفات قد تطرقه والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عما يصيب الأطفال والبهائم من الأمراض والعاهات هل ذلك كفارة لها لمعصيتها فيما بينها وبين الله تعالى أم كيف الحال؟ فقال : ليس ما يصيب الأطفال والبهائم مما ذكر كفارة لها لعدم معصيتها شرعاً؟ وإنما ذلك في الأطفال لكون الحوامل والمرضعات يأكلن ويشربن بشره نفس أكثر مما ينبغي أوغير ما ينبغي من ألوان الطعام والشراب، فيتولد في أبدانهن أخلاط غليظة مضادة للطبيعة فيؤثر ذلك في أبدان الأجنة في بطونهن وفي لبن أطفالهن الفساد فيكون ذلك سبباً لأمراض الأطفال وإعلالهم وأوجاعهم من حصول الفالج والزمانات واضطراب .البنية وتشويه الخلقة وسماجة( ) الصورة، ثم قال: ومن أراد السلامة من ذلك فلا يأكل ولا يشرب إلا في وقت الحاجة بقدر ما ينبغي من أجل ما ينبغي من لون واحد بقدر ما يسكن ألم الجوع، ثم يستريح وينام ويمتنع من الإفراط في الحركة والسكون، وأما سبب الأمراض التي تصيب البهائم فإنما هو لكونها تطعم وتسقى في غير وقته، أوغير ما تشتهي أو تزيد في أكلها على الحاجة، ثم تستخدم مع ذلك فتتعب أبدانها فتمرض لاسيما في شدة الحر والبرد والله تعالى أعلم.

وسألته رضي اللهعنه: عن حديث: «إذا سجد ابن آدم اعتزل الشيطان يبكي

(١) الفالج: شلل يصيب أحد شقي البدن وربما كان في (الشقين ويحدث بغتة فيبطل إحساس الشق وحركته).

(٢) الزمانات جمع زمانة: مرض يدوم.

(٣) السماجة: القبح.

ويقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار»(١) لم لم ينفعه هذا البكاء مع أنه في دار قبول التوبة الآن التي هي دار التكليف؟ فقال رضي الله عنه : إنما لم يقبل منه بكاؤه وندمه لأنه من وجه واحد لا من الوجهين فقلت له: كيف؟ فقال: لأن لإبليس وجهين وجه يمد به العصاة فلا يعصي أحد إلا بواسطته فهذا لا يمكنه التوبة منه أبداً، ووجه يؤدي به وجه عبوديته مع ربه لكونه يرى أنه يتصرف تحت مشيئته وإرادته في أهل قبضة الشقاء والتوبة، إنما تصح من الوجهين وهو لا يمكنه التوبة منهما جميعاً فحكمه حكم من أبطن الكفر وأظهر الإسلام والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن قوله تعالى: فوإذ قال ربك لذمكتيكة إنى جاعل فى الأيى خيفة 4 [البقرة: ٠ ٣] ، الآية هل قال تعالى لهم ذلك بواسطة ملك آخر أم بلا واسطة؟ فقال رضي الله عنه: اعلم أن المقاطعة تختلف باختلاف العوالم التي يقع فيها التقاول، فإن كان رأى في العالم المثالي فهو شبيه بالمكالمة الحسية، وذلك بأن يتجلى لهم الحق تجلياً مثالياً كتجليه في الآخرة في الصور كما ورد وإن كان التقاول واقعاً في عالم الأرواح من حيث تجردها فهو كالكلام النفسي فيكون قوله تعالى للملائكة في حقيقة معنى فتوهم للمعنى المراد وهو جعله آدم خليفة في الأرض دونهم، ويكون قولهم للحق تعالى وقوله: وأتجقل فيها من يفيد فيها وبسفك ٢لذماء > [البقرة: ٣٣٠، إلى آخره هو إنكارهم لذلك وعدم رضاهم به الناشئان من احتجابهم برؤية نفوسهم وتجنبهم عن مرتبة من هو أعلى منهم بكونهم اطلعوا على نفسه دون كماله.

وسألته رضي الله عنه : عن سبب القساوة التي يجدها العبد في قلبه في بعض الأوقات حتى لا يقدر على قلبه يحضر مع ربه في حال دعاء أو صلاة أو مراقبة؟ فقال رضي الله عنه : سبب ذلك قيام وصف العزة والغنى بك فإن حضرة الله عز وجل لا يدخلها من تلبس بأحد هذين الوصفين، فإذا رأيت توقف الدعاء عن قضاء الحاجة أو طلبت الحضور مع الله في عبادة فلم تقدر ففتش نفسك وتب من هذين الوصفين وأنت يجاب دعاؤك وتدخل حضرة ربك فقلت : فإذا كان غناه وعزه بالله تعالى فقال : يمنعانه ولو كانا بالله تعالى وذلك لأن الغنى والعز صفتان لله تعالى أصالة فلا يقبل عزيزاً ولا غنياً مطلقاً فافهم. والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : في حال كمال الاستعداد ما آفة العقل؟ فقال : الحذر فقلت له: فماآفة الإسلام والإيمان؟ فقال: العلل، فقلت له: فما آفة العمل؟ فقال الملل

(١) أخرجه ابنعديفي (الكامل في لضعفاء ٢٠٩٥/٦).

فقلت له فما آفة العلم؟ فقال : الدعوى، فقلتله : فما آفة الحال؟ فقال : الأمن فقلت له - فماآفة العارف؟ فقال : الظهور فقلت له : فماآفة القول فقال؟ الجور، فقلت له : فماآفة المحبة؟ فقال: الشهوة النفسانية فقلت له: فما آفة التواضع؟ فقال: الذلة لغير الله، فقلت له فما آفة الصبر؟ فقال: الشكوى لغير الله، فقلت له: فما آفة التسليم؟ فقال التفريط في أوامر الله ونواهيه، فقلت له : فما آفة الغنى؟ فقال الطمع في أن يكون كل شيء له فقلت له: فما آفة العز؟ فقال: البطر فقلت له: فما آفة الكرم؟ فقال: السرف فقلت له: فما آفة البطالة؟ فقال: الفقر من الأعمال في الدارين، فقلت له: فما آفة الكشف؟ فقال: التكلم به، فقلت له: فما آفة الاتباع للسنة؟ فقال: التأويل للآيات والأخبار فقلت له: فما آفة الأدب فقال: التفسير، فقلت له: فما آفة الصحبة؟ فقال: المنازعة، فقلت له : فما آفة الفهم؟ فقال : الجدال مع الناس، فقلت له : فما آفة المريد؟ فقال: التسلل على مقامات الرجال من غير سلوك طريقهم، فقلت له: فما آفة الفتح؟ فقال : الالتفات إلى غير الله، فقلت له :فما آفة الفقيه ؟ فقال : الكشف، فقلت له : فما آفة السالك؟ فقال: الوهم، فقلت له: فما آفة الدنيا؟ فقال: شدة الطلب لها، فقلت له: فما آفة الآخرة؟ فقال: الإعرض عن أعمالها التي يكون منها بناء دورها وقصورها ونعيمها، فقلت له فما آفة الكرامات؟ فقال: الاستدراج، فقلت له: فما آفة الداعي إلى خير؟ فقال: حب الرياسة، فقلت له: فما آفة الظلم؟ فقال: الانتشار، فقلت له: فما آفة العدل؟ فقال: الانتقام، فقلت له: فما آفة التقليد؟ فقال: الوسوسة، فقلت له: فما آفة الإطلاق؟ فقال: آفة الإطلاق الخروج عن الحدود، فقلت له: فما آفة رؤية النقص في الأعمال؟ فقال: قلة الشكر لله تعالى، انتهى وهو كلام نفيس.

وسألته رضي الله عنه : عن تعظيم الخلق للعبد بسبب ورعه وزهده وغيرهما من الأخلاق هل الأولى التظاهر بضد ذلك حتى لا يعظمونه؟ فقال رضي الله عنه : من شرط العارف أن يتعرف الأسباب وينظر ميزان الحق فيها، لا أنه يرميها بغير إذن شرعي إلهي قال : وتأمل السيد عيسى عليه السلام لما كان يتشوش من تعظيم بني إسرائيل له باللفظ والخضوع بالرأس فر إلى البراري هروباً من ذلك كيف عبدوه وجعلوه إلهاً ففر من شيء فوقع في أعظم منه، وإن كان لم يقصده بدليل أنه سئل عن ذلك كما أفصح عنه القرآن بقوله تعالى : و*أنت قنت إلناير اعذوف وأتمحع إلهبن ين ذون أله ه [الماندة: ٢١١٦ ثم قال واعلم أن سبب اختيار العبد مع الله تعالى إنما هو ظنه أن الله تعالى خلق العبد لنفسه وغاب عنه أنه تعالى إنما هو خلقه لنفسه تعالى ليعبده ويسبح بحمده ويستعمله فيما يريد لا فيما يريد العبد والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن مقام الإحسان هل يصح لأحد دخوله قبل التخلق بكمال الإيمان؟ فقال: لا يصح دخول مقامالإحسان إلا بعد التخلق بكمال الإيمان، فإن بقيت عليه بقية منه فهو محجوب عن شهود الحق في عبادته كأنه يراه، فقلت له : وما علامة كمال الإيمان في العبد؟ فقال: أن يصير الغيب عنده كالشهادة في عدم الريب ويسري منه الإيمان في نفس العالم بأسره فيأمنوه قطعاً على أنفسهم وأموالهم وأهليهم من غير أن يتخلل ذلك الأمان بتهمة فقلت له : فما أصح مقام الكمال في الإيمان؟ فقال : أصح الإيمان ما كان عن تجل إلهي، لأنه حينئذ يكون إيمانه على صورة إيمان الرسل ودونه ما كان عن دليل، ولما علم الصحابة أن إيمان الرسل لا يكون عن دليل لم يسألوا رسول الله ا قط عن حقيقة إيمانه، لأن حقيقة الرسالة تقتضي أن لا دليل عليها وأن الرسل مع الحق في التوحيد العام كنحن معهم، إذ هم مأمورون كما نحن مأمورون، لكونهم مقلدين للحق ونحن مقلدون لهم وإيضاح ذلك أن تعلم يا أخي أن رتبة الإيمان تصاحب كل مرتبة كما يصاحب الواحد مراتب الأعداد الكلية والجزئية إذ هو أصلها الذي بنيت عليه فروعها وثمارها، فقلت له: فهل يصح التعبير عن حقيقة الإيمان؟ فقال: لا يصح لأنه شيء وقر في الصدر لا يمكن التعبير عنه، قال وأما ما ورد في السنة من الألفاظ التي يحكم لصاحبها بالإيمان فإنما هي راجعة إلى التصديق والإذعان اللذين هما مفتاحان لباب العلم بالمعلوم المستقر في قلب العبد بالفطرة، ولذلك لم يسأل أحد من الصحابة رسول الله عن حقيقة هذه الألفاظ ولا ناقشوا أحداً من أصحابها، بل أجروا حكمهم على الظاهر ووكلوا أسرار الخلق إلى الله تعالى، هذا بالنظر لعوام الناس وإلا فقد سأل رسول اله ييذ حارثة عن حقيقة إيمانه وقال : ويا حارثة لكل حق حقيقة» الحديث والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن علامة صحة توحيد العبد لله تعالى؟ فقال : علامته أن لا يرأس على أحد من خلق الله تعالى، لأنه يرى الوجود كله بحكم الارتباط ومن علاماته أيضاً أنه ينتفي عنه الرياء والإعجاب بعمله وسائر الدعاوى المضلة عن سواء السبيل وذلك لأنه يشهد جميع الأفعال والصفات ليست له بالأصالة وإنما هي لله عز وجل، ومعلوم أن أحداً لا يرائي بعمل غيره ولا يعجب به ولا يتزين به، ثم قال أقول لك الحق لا يصحب التوحيد شرك ولو باللفظ كقوله قمت وقعدت وأكلت ونحو ذلك كما لا يصحب الإسلام اعتراض، وكما لا يصحب الإيمان تأويل، وكما لا يصحب الإحسان سوء أدب، وكما لا يصحب المعرفة تهمة وكما لا يصحب الإخلاص في العمل لذة وكما لا يصحب العلم جهل والله أعلم.

(١) أنظرترجمته في الأعلام ١٥٨/٢.

وسألته رضي الله عنه: أيهما أكمل القن(١) أو المكاتب(٢؟ فقال : القن أكمل فقلت له كيف؟ فقال: لأن المكاتب ساع في خروجه من رق سيده ودخوله في رق نفسه وشهوته فإن وفى بفعل ما كاتبه عليه سيده انقطع عنه الإمداد وإن لم يوف بذلك فحاله موقوف وخامته مجهولة وأيضاً فإن العبد يحمل إليه رزقه وهو في رق سيده واحد والمكاتب يسعى في طلب رزقه ثلاثة سيده ودينه ونفسه تبصرة وذكرى لأولي الألباب.

وسألته رضي الله عنه : هل للعبد حالة كمال لا يكون في مقابلتها نقص؟ فقال : لا ما كمل عبد من جهة إلا ونقص من جهة أخرى فقلت له: ما مثاله فقال : من غفل عن ربه هنا طال حضوره معه حضور حساب أو عتاب، ومن طال حضوره معه هنا خف حضوره معه هناك، فالعارفون يتلذذون بحساب الحق تعالى وعتابهم ويحبون أن تقوم الحجة عليهم في كل عمل كما قال الشبلي إني أحب أن يطول حسابي يوم القيامة لأجل قولي له يا عبدي فهذه عندي ألذ من نعيم الجنان كلها، وقال مجنون ليلى( رضي الله عنه :

ولقدهممت بقتلها منحبها كيما تكونخصيمتي في لمحشر

فافهم والله أعنم.

وسألته رضي الله عنه : هل أعمل لي حرفة آكل منها؟ فقال : لا تختر مع الله شيئاً إلا مع استئذانه وإذنه لك فإن رزق العبد في طلب مرزوقه دائر، والعبد في طلب رزقه حائر وبسكون أحدهما يتحرك الآخر، فلا يقال السعي أفضل مطلقاً ولا ترك السعي أفضل مطلقاً كما يظنه من ليس عنده تحقيق، بل هو على قسمين رزق يأتي إليك بلا سعي فلا يقال في هذا السعي أفضل ورزق لا بد في وصولك إليه من السعي فلا يقال لو

(١ ) القن : عبد ملك هو وأبواه أو الذي ولد عند سيده ولا يستطيع أن يخرج عنه جمعه أقنان وأقنة. (٢) المكاتب: العبد يكاتب على نفسه بثمنه فإذا سعى وأداه عتق.

(٣) هو دلف بن جحدر الشبلي (٢٤٧ - ٣٣٤ و ٩٤٦٠٨٦١٠م) ناسك كان في مبدأ أمره والياً في دنباوند، وولي الحجابة للموفق العباسي، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة فاشتهر بالصلاح له شعر جيد، سلك به مسالك المتصوفة. أصله من خراسان ونسبته إلى قرية «شبلة» ومولده بسر من رأى ووفاته ببغداد اشتهر بكنيته واختلف في اسمه ونسبته .

الاعلام (٣٤/٢)، ووفيات الأعيان (١٨٠/١)، والنجوم الزاهرة (٢٨٩/٣)، وحلية الأولياء (٣٦٦/١٠).

(٤) هو قيس بن الملوح بن مزاحم العامري (٠٠٠-٦٨ ه= ٠٠٠ - ٦٨٨م) (مجنون ليلى) شاعر غزل من المتيمين من أهل نجد لم يكن مجنوناً رإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى بنت سعد وقد جمع بعضشعره في ديوان.

الأعلام (٢٠٨/٥) فوات الوفيات ١٣٦/٢ (والشعر والشعراء ٢٢٠).


ترك هذا السعي كان أفضل فافهم.

وسألته رضي الله عنه : هل للعارف أن يحمي نفسه وأصحابه بالحال والتأثير ممن يؤذيهم من الظلمة؟ فقال : نعم له ذلك ولو مرة وإن كان ذلك نقصاً في الأدب فهو كمال من حيث العلم، ثم قال من ترك المؤاخذة لم يؤذه تعب أكثر من المؤاخذة ومن الناس من لا يرجع عن الأذى إلا إذا مس بأضرار والله أعلم.

وسألته رضي اللهعنه: ما دهليز(١) نزول العلوم الإلهية في القلب؟ فقال: ذهاب جميع النقول منه فإذا صار فارغاً من جميع النقول الكونية فقد تهيأ لنزول الواردات والعلوم والمواهب لأنها لا تنزل إلا في الأوعية الفارغة، ثم لو تصور نزولها في الأوعية المنقوش فيها نقول العلماء كان حكمها حكم الكتابة على الكتابة فلا يصير أحد يعرف يقرأ الكتابة الأولى ولا الثانية فتأمل قال وقد أنشد مجنون بني عامر:

أتاثي هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً فارغاً فتمكنا

والله أعلم.

وسألته رضي اللهعنه : عن العبد هل يصح له معرفة مقامه عند الله تعالى في الحالة الراهنة؟ فقال نعم: يعرف ذلك باجتناب نهي سيده وامتثال أمره، فإن لم يجتنب ولم يمتثل مطلقاً أو في بعض دون بعض فهو فيما أخل به من ذلك متلبس بأخلاق الشياطين، فإن غاب عن نفسه بالكلية فهو متلبس بحال الحيوانات لا أجر ولا إثم، فمن لم يعرف حقيقة نفسه فليعرف حقيقة علمه فإن الثوب يدل على لابسه والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن سبب كفر الكفار مع أنهم كانوا موجودين عند أخذ الميثاق الأول؟ فقال رضي الله عنه : إنما كفر منهم من لم يكن موجوداً عند أخذ الميثاق فلذلك آمن ببعض، وكفر ببعض لأن ظهور الخلق هناك كان على التدريج كظهورهم هنا لكن على غير هذه الصفة كواً وزمنا، والوجود واحد فهذا كان سبب كفر من كفر بعد الميثاق، وأما من كان موجوداً عند الميثاق الأول فإنه آمن بجميع ما آمن به نبيه بحكم المطابقة وهنا أسرار لا تسطر في كتاب والله أعلم. فقلت له : فهل كان أخذ العهد على الموجودات وهي مجسدة روحانية أم روحانية فقط؟ فقال: الروح لا توجد قط إلا في مركب من جسد أو شبح ولا تعقل بسيطة أبداً لكن الحكم حقيقة دائر مع الأرواح لا مع الأجساد فإنه لولا الروح ما صح للجسم النطق ولا الإجابة ببلى فإن الموجودات في الأولية عبارة عن أشباح يتعلق بها أرواح، ولكن الروح هو الظاهر على الشبح هناك

(١) الدهليز: (مع) فارسية: المدخل بين الباب والدار.


كالحال في الأجسادالأخروية تنطوي أجساد أهل الجنة في أرواحها عكس أهل الدنيا فيكون الظهور هناك للروح لا للجسم، حتى أن بعض الناس أنكر حشر الأجساد حين رأى في كشفه أرواحاً تطير كيف شاءت والحق ما ذكرناه والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن علامة أصحاب الأحوال حتى نعاشرهم بالأدب؟ فقال. علامتهم صفرة الوجه مع بواد البشرة وسعة العيون وخفض الصوت وقلة الفهم لما يقال لهم وأطال في ذلك.

ثم قال : وسمعت سيدي إبراهيم المتبولي رحمه الله يقول ما في قلب العبد يظهر على وجهه، وما في نفسه يظهر في ملبوسه، وما في عقله يظهر في عينيه، وما في سره يظهر في قوله، وما في روحه يظهر في أدبه، وما في جسده يظهر على حركته، فأرباب الأحوال كالسفن مشرعين سائرين بالهواء إن سكن سكنوا، وإن سار ساروا، والعارفون كالجبال الراسيات والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن أشد العذاب على العبد؟ فأجاب أشد العذاب سلب الروح فقلت له: فما ألذ النعم؟ فقال: سلب النفس، فقلت له: فما أكمل العلوم؟ فقال: معرفة الحق، فقلت له: فما أفضل الأعمال؟ فقال: الأدب، فقلت له: فما بداية الإسلام؟ فقال: التسليم فقلت له: فما بداية الإيمان؟ فقال: الرضا، فقلت له: فما علامة الراسخ في العلم؟ فقال: أن يزداد تمكيناً عند السلب وذلك لأنه مع الحق تعالى بما أحب لا مع نفسه بما يحب فمن وجد اللذة في حال علمه وفقدها عند سلبه فهو مع تفسه غيبة وحضوراً والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن العارف هل له التصرف في رتبته يخلعها على من بعده من ولد وصاحب؟ فقال: لا يصح للعارف التصرف في ذلك لأن الرتبة حقيقة لله تعالى يورثها من يشاء من عباده، فقلت له: فهل للقطب الغوث فعل شيء من خرق العوائد كطي الأرض ونحو ذلك؟ فقال: ليس من شأن القطب إظهار الكرامات والخوارق لأن مقامه التستر، وهذه الأمور تظهره، ثم سكت ثم قال: وقد تحكم عليه الرتبة بفعل ذلك وإذا حكمت الرتبة على كامل بشيء فلا تؤثر في كماله سواء كان قطباً أو غيره انتهى.

وسألته رضي الله عنه : هل للعبد أن يحكم على نفسه بالعدم ليعطي الوجود لله حقه؟ فقال نعم لكن بكون شهود هذا العدم من وجه واحد لا من كل وجه لأجل التكليف، ثم قال وأوضح لك ذلك وهو أنه كما حكمت الذات على نفسها بالوجود كذلك يجب على العبد أن يحكم على نفسه بالعدم المطلق قال : ومن هنا يعلم الفرق بين الألوهية والربوبية، وبين العبد والرب، وبين الروح والجسد والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن مقام رأيته وهو : أني رأيت نفسي مت ودخلت القبر وسألته نفسي عوضاً عن الملكين هل ذلك صحيح؟ فقال: هو صحيح لكن السؤال حقيقة إنما ترجع شمرته وفائدته للملكين لا لك لأنك لم تزدد بسؤالهما علماً عما كنت عليهفافهم.

وسألته رضي الله عنه : هل أرخي لي عذبة كما عليه طائفة الصوفية؟ فقال رضي الله عنه : لا ترخي لك عذبة إلا إن أعطاك الله تعالى النمو والزيادة في كل شيء نظرت إليه أو مسسته فتكون تلك الزيادة المرخاة من العمامة علامة وإشارة إلى التحقق بهذه المرتبة من باب التحدث بالنعم لا غير، وبلغنا عن السري السقطي لما أرخاها لأبي القاسم الجنيد( ) أراد أن يسقف بيته فقصرت خشبة منه عن الوصول إلى الجدار الآخر فمطها بيده فطالت معه كالعجين فمن حصل له مثل ذلك فله أن يرخي له عذبة ويرخيها للمريدين وإلا فيتركها فقلت له فما شرط إلباس الخرقة عندكم؟

فقال : شرط لباسها عندي أن يعطي الله تعالى عند ذلك الشيخ من القوة والعزم أنه بمجرد ما يقول للمريد انزع قلنسوتك ٤ أو ثوبك مثلاً أن ينزع عنه جميع الأخلاق المذمومة، فلا يصير فيه خلق مذموم، ثم إنه يلبسه القلنسوة التي معه أو الثوب فيخلع عليه فيها جميع الأخلاق المحمودة التي يمكن مثله التخلق بها، فمن لم يعطه الله ذلك فهو بإلباسه الخرقة للمريد كالمستهزىء بالطريق، قال. هكذا لبستها من يدي سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه، قال : وذكر الشيخ محيي الدين بن العربي رضي الله عنه أنه لبسها كذلك من يد سيدي أبي العباس الخضر عليه رضي الله عنه تجاه الحجر الأسود وأخذ عليه العهد بالتسليم لمقالات الشيوخ، قلت له: فما شرط تلقين الذكر عندكم؟ فقال: شرطه أن يعطي الله الشيخ من العزم أنه يخلع على المريد حال تلقينه الذكر جميع علوم لا إله إلا الله محمد رسول الله فيف فقلت : وما علومها؟ فقال : هي علوم الشريعة المطهرة فلا (١) هو سري بن المفلس السقطي أبو الحسن (توفي ٢٥٣ ه/٨٦٧م) خال الجنيد وأستاذه وتلميذ معروف الكرخي وكان وحيدزمانه في الورع وأحوال السنة وعلوم التوحيد الرسالة القشيرية ص ٠٤١٧

( ٢) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزار أبو القاسم (٠٠٠-٢٩٧ه=٠٠٠-٩١٠م) صوفي من العلماء بالدين مولده ومنشأه ببغداد أصل أبيه من نهاوند توفي ببغداد عرن بالخزار لأنه كان يعمل بالخز وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد من مؤلفاته (دواء الأرواح) رسالة صغيرة ضمن مجموع في الأزهرية.

الأعلام (١٤١/٢)، وفيات الأعيان (١١٧/١)، وحلية (٢٥٥/١٠).

(٣) العذبة: طرف الشىءكعذبة العمامة وعذبة لنساء.

(٤) القلنسوة: لباس للرأس مختلف الأنواع والأشكال (ج) قلانس.

(٥) الحجر الأسود: حجر في الكعبة يستلمه الحجاج عند طوافهم.

درر الغواص-م٤ يصير بعد التلقين يجهل شيئاً من أحكام الشريعة المطهرة فيستغني عن سؤال الناس وعن النظر في كتاب، قال : ولما لقن رسول الله ا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخلع عليه ذلك صار يقول عندي من العلم الذي أسره إلى رسول الله ا ما ليس عند جبريل ولا ميكائيل، فقال له ابن عباس: كيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن جبريل عليه السلام تخلف عن رسول الله يية ليلة الإسراء وقال : وما منا إلا له مقام معلوم فلا يدري ما وقع لرسول الله ا بعد ذلك فهذا هو التلقين الحقيقي، فقلت له: فإذا أهل الزمان الظاهرون غالبهم ليس بأهل هذه المراتب الثلاث فقال: نعم إنما هم يتزاحمون عليها بغير حق، فقلت له: فإذا صرحوا بأنهم إنما يفعلون ذلك تبركاً بالسلف هل عليهم لوم؟ فقال: لا. والله تعالى أعلم.

ثم إني ذكرت هذه الشروط لبعض المشايخ من أهل العصر فقال : هذا ليس بشرط فعرضت ذلك على الشيخ فقال:        ومن أين لهؤلاء                                   معرفة شيء من           ذلك؟ فلما

جهلوا              ذلك مع دعواهم المشيخة ظنوا     أن غيرهم حاله  كحالهم، وفي ذلك تنقيص

لأهل الطريق ومثل هؤلاء لا يرجى لهم صلاح ولا فلاح لعدم طلبهم الترقي فإن طالب الترقي، كلماذكر له مقام يقول     كيف الترقي إليه                                    حتى أصل إليه؟          ويشكر من

يدله على ذلك فلو كان عند هؤلاء خير              لسألوا عن طريق   الترقي إلى ذلك،     فالله يلطف

بنا و بهم أجمعين.

وسألته رضي الله عنه : عن خطور ثواب الأعمال على قلب العبد حال الشروع في الطاعة هل يقدح ذلك في كمال الإخلاص؟ فقال : لا يقدح إن شاء الله تعالى إذا طلب ذلك من وجه المنة وإظهار الفاقة ولكن عليك بالأدب مع الله، وافعل كل ما أمرك به واترك العلل كلها في جميع أعمالك وأحوالك واقطع الكل بقوله تعالى : وينحواً ألسه ما يشآء وينيت ه [الرعد : ٣٩]، واحذر أن تقطع بشيء فهمته من الكتاب والسنة ولو كان في نفس الأمر مواقف للصواب فإن معاني كلام الله لا تنحصر لأحد من الخلق ولو انحصرت لأحد ما كان سائر المجتهدين على هدى من ربهم فافهم. وسمعته يقول لا تتكلموا قط مع من أفتى في التوحيد فإنه مغلوب على ما هو فيه وكلوه لمشيئة الله عز وجل، ولا تشتغلوا بالإكثار من مطالعة كتب التوحيد فإنها توقفكم عما أنتم مخلوقون لأجله، فكل تكلم بحسب ذوقة ومراد الأشياخ من المريد أن يذوق أحوال الطريق ويتكلم كما تكلموا لا أنه يحفظ مقالات الناس. انتهى.

وسمعته يقول : عليكم بحفظ لسانكم مع علماء الشريعة فإنهم بوابون لحضرات الأسماء والصفات، وعليكم بحفظ قلوبكم من الإنكار على أحد من الأولياء فإنهم بوابون لحضرات الذات، وإياكم والانتقاد على عقائدهم بما علمتموه من أقوال المتكلمين فإن عقائد الأولياء مطلقة متجددة في كل وقت بحسب مشاهدتهم للشؤون الإلهية وغيرهم ربما ثبت على عقيدة واحدة في الله حتى يموت لحجابه عن الشؤون الإلهية، وإياكم أن تقربوا من الأولياء إلا بأدب ولو باسطوكم فاحذروهم فإن قلوبهم مملوكة ونفوسهم مفقودة وعقولهم غير معقولة فربما مقتوا على أقل من القليل وينفذ الله مرادهم فيكم، قال: وأما المجاذيب فسلموا عليهم بترك السلام عليهم ولا تسألوهم الدعاء فربما دعوا عليكم وكشفوا عوراتكم انتهى.

وسمعته يقول : إذا صحبتم كاملاً فلا تؤولوا له كلاماً إلى غير ظاهره فإن الكمل لا يسترون لهم كلاماً ولا حالاً، إذ التدبير من بقايا النفوس وحظوظها وهم قد خرجوا عن الحظوظ، وأيضاً فإنهم لا يرون إلا الله فيسترون كلامهم عمن سواهم.

وسمعته يقول : اسألوا الله العفو والعافية وألحوا عليه في ذلك ولو كان أحدكم صبوراً، فإن الله تعالى يحب من عباده إظهارهم الضعف عن تحمل سطوات بلاياه وغضبه ومكره لتعذر مقاومتهم للقهر الإلهي.

وسمعته يقول : الحقيقة والشريعة كفتا الميزان وأنت قلبها فكل كفة ملت إليها فأنت لها.

وسمعته يقول : عليكم بتطهير باطنكم من الغل والحقد والحرص ونحو ذلك فإن الملك لا يرضى أن يسكن بجواركم وأنتم على هذا الحال فكيف بالحق تعالى يا داوم طهر لي بيتاً أسكنه.

وسمعته يقول : عليكم بإخراج كل ما علقت به نفوسكم ولم تسمح بإظهاره من علم أو حال أو غيرهما، وعليكم بالنصح لإخوانكم ولو ذموكم - وسمعته يقول عليكم بإصلاح الطعمة ما استطعتم فإنها أساسكم التي يتم لكم بها دينكم وأعمالكم الصالحة، فإن كنتم متجردين عن الأسباب فاقبلوا كل ما أرسله الحق تعالى إليكم من غير سؤال ما عدا الذهب والفضة والثياب الفاخرة، وإذا بلغ أحدكم مبلغ الرجال أطلعه الله تعالى على موضع كل لقمة من أين جاءت وعلى من يستحق أكلها من الناس، كالبناء لكل طوبة عنده مكان يضعها فيه.

وسمعته يفول: إذا غضب شيخكم على إنسان فاجتنبوه ولا تصافوه تغضبوا ربكم، فإن الأشياخ لا تغضب إلا بحق، ولا ينبغي لكم البحث عن سبب غضبه عليه بل سلموا لشيخكم، وإذا فاجأكم في حال فلا تدفعوها عن أنفسكم، ولا تستجلبوا ذلك بجمعية باطنكم وتفعلكم فإنه سوء أدب، ولا تأنفوا قط من التعلم ممن خصه الله بفضيلة كائناً من كان لاسيما أهل الحرف النافعة وذوي البيوت فإن عندهم من الأدب ما ليس عند غالب الناس، وإياكم أن تظهروا لكم كشفاً أو كرامة دون أن يتولى الله تعالى ذلك من غير اختياركم، واحذروا من قربه تعالى أن يفتنكم بالقرب مع أنه لا خصوصية لكم فيه، وذلك أن أحدكم كلما علم ما هو عليه من القرب بعد عن حضرة الله عز وجل، فإن حقيقة القرب الغيبة عن القرب بالقرب حتى لا يشهد العبد حاله في القرب إلا بعداً، ولا حالة في العلم إلا جهلاً، ولا حالة في التواضع إلا كبراً، فعلم أن شهود القرب يمنع العلم بالقرب ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون، واحذروا من الاغترار بمحبته لكم أن يستدرجكم بحبكم له حتى يشغلكم بكم عنه فإنه إذا كشف لكم عن حقائقكم حسبتم أنكم هو، ومن هنا يقع الاستدارج أين التراب من رب الأرباب فقلت له: فما الخلاص فقال : أن تشهدوه تعالى به لا بكم.

وسمعته رضي الله عنه : يقول إذا نازعك أحد في مسألة ورد عليك قولك في مصنفك أو غيره فلا تبادر لجوابه ولا ترادده بل تربص وانتظر له وقتاً آخر وتعرف سبب ذلك القول عليك من الحق بحضور وأدب، فربما يكون الحق تعالى إنما رد عليك قولك على لسان هذا المنازع لغفلة طرأت عليك، ومتى أجبت عن نفسك من غير تعرف السبب فقد خرجت عن أدب الحضرة الآلهية.

وسمعته يقول: إذا ذكرت لأحد فائدة فلا تذكرها له مع شهود أنك أعلم منه أو أفضل فتحجب بذلك ويقوم شغوفك عند نفسك عليه، بل اذكر الفائدة خوفاً أن تلجم بلجام من نار يوم القيامة، أو بنية نشر الشريعة في العالم لا غير، وإذا أنكرت على شخص منكراً في الشرع منصوصاً عليه باتفاق العلماء فلا تنكره عليه بطبعك مع الغيبة عن الشارع، ولا تعنفه عليه بل قل له إن الشرع قد نهى عن مثل ذلك، واحذر أن تقول له أنت مخالف للشريعة أو قد خالفت بذلك المسلمين وارفق به ما استطعت، وإياك أن ترى نفسك عليه حال الإنكار لأن نفسه تتحرك وتعاندك ولو كان معك الحق اليقين ، وذلك لأن النفس إذا تحركت ركبها الشيطان فيصير هو الناطق فيها فتقوم أنت وتقعد من الغيظ اعتقاداً منك أن تلك المعاندة من أخيك، ولو كشف لك لرأيت إبليس هو الناطق والزاكب لأخيك فافهم. فقلت له : كيف أرى نفسي وأنا عالم عامل دون الجاهل الفاسق؟ فقال : التفاضل لا يقع في الذوات حقيقة وإنما يقع في الصفات فصفة العلم التي قامت بك مثلاً أفضل من صفة الجهل التي قامت بأخيك، فما وقع التفاضل إلا في الصفة ولم يقع التفاضل في الذات، وانظر إلى قوله تعالى لمحمد ا <٠ل إتاً أتأ بنر يثلك» [الكهف: ١١٠] فتسمى بالاسم الذي يشاركه فيه جميع الناس، ولم يتسم في هذه الآية بأعلى أوصافه كالنبوة والرسالة فما فارق غيره إلا بالوحي كما قال: ويتح إلى » [الكهف: ١١٠] كل ذلك مراعاة لمقام العبودية التي خلق لأجلها، ولولا أن رسول الله 6لن أمر بإظهار رتبته في الآخرة بقوله: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» لما تلفظ بذلك ولا عرف أحد سيادته على بقية الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، فافهم فعلم أن التفاضل لا يكون إلا في الأشياء الثابتة، وأما العلوم والأحوال فإنها غير ثابتة فتؤخذ من محل وتعطى لمحل آخر، فإذا سلبت يا أخي من العلم ذهب فضلك الذي رأيت به نفسك على الجاهل، فلا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه أو غيره إلا بأمر إلهي، فإن البعوضة لها وجه إلى الحق تقبل به ما يقبله الإنسان الكامل، وكذلك الجاهل فانظر إليه من ذلك الوجه لتوفيه والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن القهر والمنازعة هل يوصف بهما العبد وهو في حضرة الله عز وجل؟ فقال : لا يصح لمن هو في حضرة الحق عز وجل قهر لغيره ولا مغالبة له ولا منازعة لأن حضرة الحق تعطي بالخاصية صاحبها الخشوع، قال يلة: «ما تجلى الله عز وجل لشيء إلا خشع»(٢) ومتى ظهرمنعبد قهر و منازعة تحققنا أنه ليس في حضرة الله تعالى أصلاً وإنما وجهه مصروف إلى الكون والحجاب والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن العوام والخواص من أهل الطريق ما تعريفهم؟ فقال: العامي من أهل الطريق من كان مقلداً لغيره فاستبد بعقيدته إلى أمر مربوط، ثم سلك الطريق مع تلك العلة فهو إن فتح له ما يوافق معتقده سماه فتحاً وإلا سماه منعاً، وقد يجىء الحق إلى مثل هذا فلا يقبله لكونه جاء في غير معتقده، وأما أهل التحقيق من الخواص فلا يتحققون أن في الجناب الإلهي منعاً أصلاً وجوده فياض على الدوام وإن وقع له منع أو عطاء أو ران، فإنما هو عبارة عن توجه عين البصيرة إلى غير الوقت الذي خلقوا له، فمتى صرفت أعين بصائرهم عن رؤية المكون قام معها الكون ولا بد فعلم أن عين البصيرة لا تزال قابلة والمرآة لم تزل مجلوة، وإنما التفاوت واقع في المبصرات فإن رأت النور رأت ما كشفه النور، وإن رأت الظلمة لم تتعداها إذ الظلمة لا تتعدى ما وراءها والأعمى إنما هو ناظر إلى ظلمة الماء الذي نزل في عينيه والله أعلم.

وسألته رضي اللهعنه: عن طلب المريد ظهور كرامة هل يقدح ذلك في أعماله وهل عدم وقوع الكرامة يدل على عدم دخوله في طريق القوم؟ فقال رضي الله عنه : طلب المريد الكرامة مما يقدح في إخلاصه،ثملا يدل عدم الكرامة على أنه لم يحصل له شيء من مقامات القوم.

وإيضاح ذلك أن تعلم يا أخي أن الدنيا ليست موطن النتيجة والثواب وإنما هي موطن

(١) أخرجه الحاكم في (المستدرك ١٦٠٤٢ ومناهل الصفا ٤) والقاضي عياض في (الشفا ٩٠/١) والزبيدي في (إتحاف السادة المتقين ٥٧٢/٧) والمتقي الهندي في (كتز العمال ٣٢٠٤٠، ٣٣٦٨٢) والخطابي في (إصلاح خطأ المحدثين ٢٩).

(٢) أخرجه النسائي (كسوف ١٦) وابن ماجة (إقامة ١٥٢) وأحمد بنحنبل(٤، ٢٦٧، ٢٦٩).

العمل وتهيؤ المحل، فكما أن الآخرة ليست دار عمل كذلك الدنيا ليست بدار نتائج، فلا يجب على المريد إلا تهيؤ المحل، وأما النتائج فإنها أمامه في الدار الآخرة، فعلم أنه لا يلزم من كون الإنسان لم يكشف له عن شيء مما كشف للقوم أن يكون ناقصاً لا نصيب فيما حصل للقوم بل يقال إنه عند الموت كمل تهيؤه واستعداده ولا فرق بين من كوشف بالأمور في ذلك الوقت وبين من كوشف له طول عمره، إنما هو تقديم وتأخير والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عما يفعله المشايخ من ترتيب الأوراد للمريدين هل هو مذهبكم؟ فقال: لا ذلك مما أكرهه ولا أقول به لأن الأوراد تصير حينثذ يفعلها العبد بحكم العادة، يمر الإنسان عليها بحكم الغفلة والطبع والقلب في محل آخر، وإذا لم يتقيد الإنسان بالأوراد وذكر الله تعالى متى وجد إلى ذلك سبيلاً في أي وقت كان بحضور وإقبال صادق وهمة وعزم كان أقوى في استعداده، فالمدار على عدم الغفله في العبادة، فمن رزقه الله تعالى الحضور في الأوراد المرتبة فلا بأس به فقلت له: فما مذهبكم في المعاهدة للمريد بأنه لا يعود يعصي الله عز وجل؟ فقال : هو أيضاً مما نكرهه لأنه لا يأمن متعاطي ذلك من الوقوع في الخيانة فيصير عليه إثم المعصية وإثم خيانة العهد، ولو أنه لم يقع في معاهدة لكان عليه إثم واحد فالأحسن للشيخ أن يأمر المريد بفعل الأوامر واجتناب النواهي من غير معاهدة ويفعل الله ما يشاء والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الفرق بين خاطر الحق تعالى وبين خاطر الملك؟ فقال : خاطر الحق تعالى لا يكون فيه أمر ولا نهي أبداً إذ قد فرغ تعالى من الأوامر والنواهي على لسان رسوله ا، فكل خاطر تجد فيه أمراً أو نهياً فاعلم أنه خاطر الملك فعلم أن خاطر الحق تعالى الآن إنما يعطيك المعارف الإلهية ويكشف لك عن الأمور الغيبية التي جهلتها من الكتاب والسنة، ويكون سمعك وبصرك ويدك ومؤيدك إلى غير ذلك، فقلت له : فما الفرق بين العلم والكشف؟ فقال : الكشف هو علمك بالحقائق على ما هي عليه في نفسها، والعلم هو علمك بالأمور على ظاهرها والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن حديث : «اعبد الله كأنك تراه» أي الحالتين أكمل أن يعبد الله كأنه يراه أو يعبد الله على الغيب؟ فقال رضي الله عنه : عبادة الحق تعالى على الغيب أكمل لما فيها من التنزيه قال تعالى: <أك كلم يأن اًس يكئ> [العلق: ١٤] وأما عبادة العبد لربه كأنه يرى ربه فإن ذلك راجع إلى ما أمسكه في نفسه من شاهد الحق وأقامه كأنه يراه وهذه درجة العوام، ثم يترقى منها إلى درجة الخصوص وهو كونه تعالى يرى العبد والعبد لا يراه، وذلك أنك إذا ضبطت شهوده تعالى في قلبك عند صلاتك فقد

(١ ) أخرجه البخاري (إيمان ١٣٧) ومسلم (إيمان ١، ٥- ٧) وأبو داود (سنة ١٦) والترمذي (إيمان ٤) والنسائي (إيمان ٥، ٦) وابن ماجة (مقدمة ٩) وأحمد بن حنبل (٢، ١٠٧، ١٣٢ ).

أخليت شهودك عن بقية شهود الوجود المحيط بك، وإذا تحققت ذلك علمت عجزك عن رؤيته لتقييدك وإطلاقه وضيقك وسعته، فإذا عرفت ذلك بقيت مع نظره المحقق إليك لا مع نظرك إليه لأن نظرك يقيده فيخرجه عن إطلاقه فيتحدد وهو المنزه عن الحدود والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن قول بعضهم إن الأحدية سارية في جميع الوجود وما معناه؟ فقال: اعلم أنه لما كان الإنسان روح العالم وكان عبارة عن نفس ناطقة وجسم حساس وكان حده أنه حيوان ناطق ومتى سقط شيء من حده سقطت حقيقته، وكان غيب الإنسان الذي هو روحه قائماً بظاهره لا قيام لوجوده إلا به لمضاهاته للعالم الأكبر اقتضى بهذا الاعتبار أن يكون جميع الوجود بأسره مطلقه ومقيده ظاهره وباطنه قائماً بالحق، مفتقراً إليه، لا يقوم بنفسه طرفة عين، فمن شهد ذلك تحقق سريان الأحدية حينثذ في الأشياء بسيطها ومركبها وجميع أحكامها، فليتأمل فإنه نفيس والله أعلم.

وسمعته رضي الله عنه يقول: ما العلة في منع المريد من قبول الرفق من الناس؟ فقال: لأن المروءة والطبع يحملانه على مكافأة الناس على إحسانهم وتوفية حقوقهم، وعلى مراعاتهم وإذا كان الأمر كذلك فمتى يتحقق السالك بالجمعية مع الحق تعالى والأحدية تطلب من يتوحد ليتوحد بها وإذا تفرق السالك فلا أحدية فلا فتح والله أعلم .

وسمعته رضي الله عنه يقول : ينبغي للذاكر أن يكون ذكره للتعبد فقط لا لطلب مقام وذلك ليكون في تهيئته غير خال من العبادة، وقد قالوا إنما شرعت الخلوة للتفرغ من الأكوان وتهيؤاًلمحللاغير.

وسمعته أيضاً يقول : إذا ورد على الباطن ذكر معين فليكن السالك ساكناً لا يساعده بتفعله فإذا ذهب الوارد لنفسه من غير مساعدة إلهية كان أكمل في الاستعداد.

وسمعته يقول : التجلي الذاتي لا يكون أبداً إلا بصورة استعداد العبد وغير ذلك لا يكون، فإذا المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق وما رأى الحق ا ه.

قلت : وقد أوضحنا ذلك في مبحث الرؤية في العقائد الكبرى فراجعه والله أعلم.

وسمعته يقول : إن الشيطان ليقنع من العبد بفسخ عزمه من طاعة إلى طاعة وذلك أنه يحسن له أن يعاهد الله تعالى على إحياء ليلة من الليالي بالصلاة فإذا شرع فيها جاءه وحسن إليه الذكر وما فيه من الجمعية فيترك العبد الصلاة ويجلس يذكر الله تعالى فيقع العبد في نكث العهد مع الله تعالى، وهذا هو مراد إبليس، ومن جملة مكايد إبليس أيضاً أنه يأتي العبد بالكشف التام والعلم الصحيح ويقنع منه أنه يجهل من أتاه لعلمه أن الجهل أكثف حجاب النفس فيدخل عليه بعد ذلك كل شبهة، ومن علامة مكره بالعبد أن يكشف له معاصي العباد في قعور بيوتهم وهتك أستارهم وهو كشف صحيح لكنه شيطاني يجب على العبد التوبة منه والله أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن الحكمة في وجوب استقبال القبلة أألحق تعالى في جهة الكعبة دون غيرها مع أن الجهات كلها في حق الحق تعالى واحدة؟ فقال رضي الله عنه : لا يتقبل الحق تعالى من العبد إلا روحه لا جسده، فالعبد إذاً مستقبل للحق في غير جهة بباطنه، وليحذر العبد أن يتوهم أن نفسه قد أحاطت بها الجهات كصورته الظاهرة خوفاً أن يبقى الحق في وهمه كالدائرة المحيطة، فإن ذلك جهل بالله تعالى بل كما يرى نفسه التي هي ليست من عالم الحس في غير جهة، كذلك يكون الحق في غير جهة، وأما ظاهر العبد فإنما هو متوجه إلى جهة القبلة المخصوصة وذلك ليجمع همه على الأمر الذي هو فيه فإنه لو لم يؤمر باستقبال جهة معينة وكان على حسب اختياره لتبدد حاله وكان يترجع عنده في كل وقت جهة ما وربما تكافأت في حقه الجهات فاحتاج إلى فكر واجتهاد في الترجيح فيتبدد بالكلية، فلذلك اختار الحق تعالى له ما يجمع همه ويريح قلبه. انتهى.

قلت: وقد بسط الشيخ محي الدين الكلام على هذا المحل في واقع الأنوار والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : لم كان صاحب الحال يؤثر في الناس إذا وعظهم دون الكمل؟ فقال: اعلم إن أول الطريق بداية، ثم حال، ثم رسوخ، فمن صحب صاحب الحالقلب عينه كالإكسير ومنصحب الراسخحين رسوخه وثباته لم تؤثر صحبته فيه، ولذلك كذبت الأمم رسلها لأن الرسل ما بعثت إلا بعد رسوخها في العلم بالله تعالى وتمكنها وحكمها على الحال، فلذلك كان الراسخ يخاطب الناس بظواهر الأمور ويبطن عنهم ما فوق طاقتهم فلا يؤمن به إلا القليل فافهم.

وسألته رضي الله عنه : عن السالك إذا مات قبل فتحه؟ فقال : يرفع إلى محل همته لأن همته تجذبه انتهى والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الخواطر إذا تراكمت على الباطن في صلاة أو غيرها بماذا ترد؟ فقال : لا يخلو تعلق الخاطر إما أن يكون بموجود أو بمعدوم فإن كان تعلقه بموجود فاخرجه عنك وازهد فيه ينقطع خاطرك عنه، وإن كان تعلقه بمعدوم فتعلم أن هذا ليس من شأن العاقل أن يعلق خاطره بالعدم فرد خاطرك بالعلم إلى أن يسكن والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن الكامل هل له الركون إلى عدم مكر الحق تعالى به؟

( ١) الإكسير: مادة كان الأقدمون يزعمون أنها تحول المعدن الرخيص إلى ذهب.

فقال : الكامل لا يحكم على الله بشيء ولو بلغه أعلى المقامات وقال له رضيت عنك رضاي الأكبر، فبعد ذلك كله لا يؤمنه تعالى وذلك ليوفي الألوهية حقها، وتأمل يا أخي ما ورد في أن جبريل وإسرافيل لما خلق الله النار طفقا يبكيان فأوحى الله تعالى اليهما ما يبكيكما وهو أعلم فقالا : خوفاً من مكرك، فقال لهما الحق تعالى : فهكذا كونا لا تأمنا مكري والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن قول أبي يزيد سبحاني مع أنه مشهور بالكمال والشطح لا يكون من كامل؟ فقال رضي الله عنه : اعلم أن أبا يزيد لما نزه الحق تعالى وقدسه قيل له في سره هل فينا عيب تنزهنا عنه قال لا يا رب قال له الحق تعالى فنفسك إذن نزه عن النقائص، فلما جاهد نفسه ونزهها عن الرذائل قال سبحاني قولاً ذاتياً ضرورياً حقاً لا دعوى فيه قال وقد عجبت ممن يؤول أخبار الصفات كيف لم يؤول كلام العارفين مع كونهم أولى بالتأويل من الرسل لنقصهم في الفصاحة عن الرسل والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عن ميزان الحركات المحمودة والمذمومة؟ فقال: ميزانها أن تنظر ما بعدها فإن وجدت سكوناً ومزيد علم فاعلم أنها من الحق، وإن وجدت بعدها ندماً وضيقاً وتشويشاً فاعلم أنها حركة نفسانية أو شيطانية هذا ميزان الحركات والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : هل يصح للذاكر الإقبال على الحاضرين ومكالمتهم ويكون مع ذلك حاضراً في عالم الباطن كحضوره في خلوته؟ فقال : لا يصح ذلك لمبتدي ولا منتهي، ألا ترى إلى رسول الله ا الذي هو سيد المرسلين كان إذا أتاه الوحي يغيب عن الحاضرين إلى أن ينقضي الوحي ثم يسرى عنه هذا مع كونه كان في خطاب ملكي، فكيف يكون استغراقه في خطاب الحق تعالى! فقلت له: فهل للذاكر أن يشتغل بمعاني الذكر؟ فقال: لا ينبغي له أن يشتغل بمعاني الذكر وإنما الواجب الاشتغال بالذكر على وجه كونه تعبداً لا يعقل معناه، فإذا ذكر كذلك كان الذكر يعمل بخاصيته فيه، فقلت له : فإذا الواجب على الذاكر مراقبة المذكور فقال: نعم لأن المذكور بما أتى الذاكر فلا يجده حاضراً فيحرم مدده لأنه لا يعطي إلا الحاضر معه والله أعلم.

(١) هو طيفور بن عيسى البسطامي، أبو يزيد، ويقال: با يزيد، زاهد مشهور له أخبار كثيرة. نسبته إلى بسطام أصله منها ووفاته فيها، وفي المستشرقين من يرى أنه كان يقول بوحدة الوجود، وأنه ربما كان أول قائل بمذهب الفناء ، ويعرف أتباعه بالطيفورية أو البسطامية.

الأعلام (٢٣٥/٣) وطبقات الصوفية (٦٧ - ٧٤) - ووفيات الأعيان (٢٤٠/١) وميزان الاعتدال (١/ ٤٨١).

وسألته رضي الله عنه : عن المجذوب هل يعرف الطريق كالسالك فقال : اعلم أن مثال المجذوب مثل صاحب الخطوة الذي تطوى له الأرض، فالناس يرحلون المراحل المعتادة في مدة معلومة وصاحب الخطوة يقطعها في أقرب وقت بغير تعب وتنزوي له الأرض إلا أنه يمر ببصره على جميع المراتب، فكذلك المجذوب لا بد من عبوره على المقامات التي هي علامة الطريق فيمر عليها بسرعة .

وأما السالك فيقيمه الله تعالى فيها ما شاء ، فلا تتوهموا أن المجذوب لا يعرف الطريق والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه: عمن وقع له الصلاة في القبر كثابت البناني هل يكتب الله تعالى له ثواب تلك الصلاة مدة البرزخ أم عمله في غير معمل؟ فقال : يكتب الله تعالى له ثواب عمله إلى أن يخرج من البرزخ، فقلت له: فهل لعمل المثالات المتخيلة لأهل الدنيا في النوم واليقظة التي تخرج لهم وتقضي حوائج الناس من قبور الأولياء حكم عمل من صلى في البرزخ؟ فقال : لعمل تلك المثل حكم عمل الصور المقيمة في البرزخ ولها ثواب قضاء حوائج الناس، فقلت له : فما حقيقة هذا المثال الذي أقامه الله عند قبور الأولياء؟ فقال : هو ملك يخلقه الله تعالى من همة تلك الولي أو هو مثال نشأ من صورته ينفذ الله به ما شاء من الأمور، فقلت له: فالأنبياء ما حكمهم؟ فقال: من كلمه نبي من قبره فهو عينه لا مثاله والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : متى يصح للعبد أن يأخذ عن الله تعالى بلا واسطة من الوجه الخاص؟ فقال: إذا تحقق أنس القلب بالله تعالى بنسبة خاصة ورابطة صحيحة صح له الأخذ عن الله واستغنى عن المادة لأن وارده لا يتوقف حينئذ على وجود الخلق ولا عدمهم، قال : ومن الناس من يكون أنسه بواسطة الخلق أكثر فيتوقف فتحه ووارده على وجود الخلق، ولهذا يقول بعض العارفين وجدت واردي في البلد الفلاني أو المكان الفلاني دون غيره أي لمناسبة أهل تلك البقعة لمزاجه وباطنه، ولكن العارف الكامل لا يتقيد بهذا القيد والسلام.

وسألته رضي الله عنه : هل للجسم بعد مفارقة الروح إحساس وإدراك؟ فقال : نعم وذلك لأن للجسد عندنا عوالم وحقائق تقبل بها التجلي الإلهي والأدراك من غير واسطة النفس، وإذا انتقلت النفس إلى محلهاالأصلي بعد المفارقة وبقي الجسم كان له ذلك الإدراك بتلك الحقائق التى تخصه، ولولا ذلك ما كان لقوله تعالى: <ىن ين شىء إلا يثح بحدوث » [الإسراء: ،٤] معنى لأن التسبيح ههنا عبارة عن المعرفة تقديره: وإن من شيء إلا يعرف ربه وموجده وينزهه ويقدسه عما لا يجوز عليه وهذه هي حقيقة المعرفة، وبتلك الحقائق نطقوا وشهدوا وقالوا لجلودهم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء قال ولا يعرف حياة الجسم بعد انفصال النفس إلا المكاشفون الكمل والله تعالى أعلم:

وسألته رضي الله عنه: عن معنى قولهم القرآن بحر لا ساحل له؟ فقال: معناه إنه يقبل جميع ما فسره به المفسرون، وذلك أن المتكلم به وهو الله تعالى عالم بجميع تلك المعاني والوجوه التي تدل عليها هذه الألفاظ بالنظر إلى كل شارح، فما من شارح يقصد وجهاً في شرح تلك الآية إلا وذلك الوجه مقصود للمثكلم به وهو الله تعالى بخلاف ما إذا كان المتكلم من الخلق، فإن الشارح لكلامه لا يتعدى مرتبة المتكلم من القصور، وإن كان اللفظ بعينه والله تعالى أعلم.

وسألته رضي الله عنه : عن العارف إذا دخل النار في الآخرة والعياذ بالله تعالى هل يتبين لنا نقص مقامه في الدنيا وأنه كان على غير قدم مرضي؟ فقال : اعلم أن العارف إذا دخل النار فدخوله الأمراض التي تصيبه في الدنيا سواء، فكما أنه سبحانه وتعالى ابتلى العارف بالأمراض لتتمحض عنه الذنوب مع قطعنا بأن المرض لم يحط العارف عن مقامه، فكذلك حكم العارف إن قدر عليه دخول النار، فقلت له: قد بلغنا أن صاحب الحال يحميه حاله وتنزوي عنه جهنم إذا مر عليها وتقول له جز عني فقد أطفأ نورك لهبي فهل هو أكمل من العارف أم كيف الحال؟ فقال: صاحب الحال ناقص عن مقام العارف بلا شك، وإنما العارف ألقى قياده لتصاريف الأقدار بين يدي الله عز وجل فلم يختر غير ما اختاره الله له، وغير العارف يفر من تقديرات الحق تعالى، فلذلك كان العارف أكمل في الدرجات، فإنه إذا دخل الجنة كان صاحب الحال يرى درجة العارف، كما يرى الكواكب في السماء فيتمنى أن يكون له مرتبة العارف فلا يقدر والله أعلم. فقلت له : فما وجه تعذيب المحبوب لحبيبه مع أن الحكمة تأبى ذلك كما في قوله تعالى: ووقالي أليهود وأنمتزئ ص أبنؤا ألوو^حبؤ؛ فذ ولم بتي بم إدويكم ه [المائدة: ١٨] فقال رضي الله عنه : إنما يبتلى الحبيب ويعذب من كونه محباً، وإنما ينعم من كونه محبوباً كأهل الجنة ينعمون فيها من حيث كونهم محبوبين لا محبين إذ المحب يقع له الامتحان ليتبين صدقه وكذبه عند نفسه، فقلت له: فما حال الأنبياء؟ فقال: قد جمع الله للأنبياء بين البلاء والنعيم في دار الدنيا لكمالهم فبلاؤهم من كونهم محبين ونعيمهم من كونهم محبوبين والله أعلم.

وسألته رضي الله عنه : أيهما أولى للشيخ أن يكشف للمريد عن حقائق الأمور التي لا ينالها إلا بطول السلوك فيختصر له الطريق أم يتركه يدور في معاطف الطزيق كما عليه السادة الصوفية؟ فقال رضي الله عنه : اختصار الطريق للمريد أولى عندنا وهي طريقة الشيخ أبي مدين المغربي رضي الله عنه كان يقصد قرب الطريق على المريد فينقلهم إلى محل الفتح من غير أن يمروا على الملكوت خوفاً عليهم من تعشق الأنفس بعجائب الملكوت، ثم إذا فتح على المريد حينئذ يتدلى إلى العالم فيكشفه بالحق فقلت له : فهل للشيخ أثر في الفتح؟ فقال : نعم له أثر لأن الشيخ بمنزلة الدليل الذي يقول لك اسلك هذه الجهة فإنها أقر ب من هذه، والسلوك عندنا بمنزلة الدائرة وهي درج يقتضي أن السلوك للسالك يمر على جميعها إذا أخذ الأمر على الترتيب وفي ذلك تعب عليه وتطويل زمن فإذا وفق له العارف اختصر له الطريق.

ثم قال : أما سمعت إشارة أبي يزيد البسطامي حين قال : وقفت مع العارفين فلم أر لي فيهم قدماً، ووقفت مع المجاهدين فلم أر لي معهم قدماً، وهكذا الصائمين والمصلين وغيرهم، إلى أن عد مقامات كثيرة وكل ذلك يقول فلم أر لي معهم قدماً فقلت يا رب فكيف الطريق إليك؟ فقال : اترك نفسك وتعالى فاختصر لي تعالى الطريق بألطف كلمة وأخصرها، فلما ترك نفسه قام الحق تعالى معه وهذه أقرب الطرق والله سبحانه وتعالى أعلم .

وسألته رضي الله عنه : عن القطبية هل لها مدة يقيم فيها صاحبها من سنة فما دونها إلى ثلاثة أيام إلى يوم كما قيل؟ فقال رضي الله عنه : اعلم أنه ليس للفروع إلا ما كان للأصول وقد أقام يلة في القطبية مدة رسالته وهي ثلاث وعشرون سنة على الأصح، واتفقوا على أنه ليس بعده أحد أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد أقام في خلافته عن الله ورسوله سنتين ونحو أربعة أشهر وهو أول الخلفاء الأقطاب واستمرت القطبية بعده إلى ظهور المهدي، فهو آخر الخلفاء المحمديين ثم يتولى بعده قطب وقته وخليفة الله عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فيقيم في الخلافة أربعين سنة، فالحق عدم تقدير مدة القطبية بمدة معينة قال : وقد بلغنا عن الشيخ أبي النجا سالم المروزي أنه أقام في القطبية دون العشرة أيام، وكذلك الشيخ أبي مدين المغربي، فقلت له: فهل يختص القطب بكونه لا يكون إلا من أهل البيت كما سمعته من بعضهم؟ فقال : لا يشترط ذلك ولعل من اشترط ذلك كان شريفاً فتعصب لنسبه والله أعلم.

وسألته رضي العنه: عن علامة كون البلاء عقوبة؟ فقال: علامته عدم الصبر وكثرة الجزع والشكوى إلى الخلق فقلت له: فما علامة كون البلاء تمحيصاً للذنوب؟ فقال : علامته وجود الصبر الجميل من غير شكوى ولا جزع ولا ضجر بأداء الطاعات، فقلت له : فما علامة كونه رفع درجات؟ فقال : علامة ذلك وجود الرضى والموافقة وطمأنينة النفس والسكون تحت الأقدار حتى تنكشف انتهى.

قلت ورأيت نحو هذا التقسيم في كتاب فتوح الغيب لسيدي عبد القادر الجيلي رضي الله عنه والله أعلم. وليكن ذلك آخر ما غصنا عليه من درر فتاوى شيخنا سيدي علي الخواص رضي الله عنه آمين وقد حبب لي أن أختم هذه الأجوبة بجواب كتبه تلميذه الشيخ العارف بالله تعالى أخي أفضل الدين لمن سأله عن مرتبة هؤلاء المشايخ الظاهرين بأنفسهم في مصر والجالسين في الزوايا بغير إذن من مشايخهم؟ فأجاب بما صورته بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اصلح من شئت كما شئت وكيف شئت إنك الوهاب.

الحمد لمن أظهر العين بمحو صفات العين حمد عبد بعبودية ربه ظهر وبربوبية نفسه بطن وأصلي على عبده الجامع وسره القامع لكل مبتدع فاجر ولعبوديته كافر وعلى آله وأصحابه نجوم الاهتدا وشموس الاقتدا وسلم.

وبعد فقد قال الله الحكيم : < يتآهذ الككي تعالؤاً إلى كلمة سوآز بيننا وبينك ألا بنبد إلا أيه ولا كنرك يوء سيد ولى يتخد تشك بنك-ا أياب قن دون ال دإن وؤأ ئعولنأ أشهكدواً يأنا شنيموب 4 [آل عمران: ٦٤]، وقال تعالى: وقن هذو، سيلي أذعواً إلى آلله على بصيرة أنأ ومن أتبعن، وشبحن آلله وماً أنأ من آلمشركين^ [يوسف: ١٠٨] والسلام عليكم أيها المشايخ الظاهرون في القرن العاشر، الجالسون للناس بغير إذن إلهي سلام سنة الإسلام رضي وأسأل الله تعالى أن يعينكم على تحصيل مقام الإيمان أو بعضه في مثل هذا الزمان الذي لا يوجد فيه القوت إلا بالموت، واعلموا أن السعيد من اتعظ في نفسه ولم يجعله الله عظة لغيره، وتعفف عن الأكل من بيوت إخوانه في الولائم التي لم يرد بها وجه الله، ولم يجمع لهم الجموع على طعامهم حتى يفضحهم فلا يكملوا عشاء الأصحاب إلا من السوق وقد قال سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه : وعزة ربي كل فقير لا يمد صاحب الطعام بالبركة الخفية طول عامه ويحمل عنه بلايا تلك السنة كلها ليس له أن يمد يده إلى طعامه، وقد مالت بكم أيها المشايخ نفوسكم الغوية إلى حب الظهور الذي لم يرض به إبليس في هذه الدار مع أمانه في دار الدنيا من نزول البلاء عليه بالوعد الذي وعده الله به من الإنظار إلى يوم الدين، وتصدرتم لأمور لم يخلقكم الله لها ولا أنتم من أهلها وحسنت لكم أنفسكم أحوالاً شيطانية وأموراً نفسانية منشؤها الوهم والخيال بواسطة الاستدراج الكامن بين صفحتي المحو والإثبات، وأعمى الله تعالى قلوبكم عن طريق الهداية وأمال نفوسكم إلى طريق الغواية حتى ظهر أثر ذلك على وجوهكم، فتنبهوا أيها الإخوان لنفوسكم قبل أن يحل بكم الدمار، وتوبوا إلى الله تعالى عن أكل الحرام والتبهات ، واحترفوا وكلوا من كسبكم، ولا تأكلوا بدينكم وثيابكم الصوف، واخفوا نفوسكم حتى يضطركم الحق تعالى إلى الظهور إما بأمر من رسول الله يللف يقظة ومشافهة، وإما بإذن شيخ عارف قد خبر الطريق، واعلموا أن من نازع أوصاف الربوبية لأجل هواه وقنع بما يظهر في سره ونجواه من خطاب ومعارف وكشوف ومواقف وإلقاء نفساني ونعت شيطاني فليس من الله في شيء، بلهو من لله في فيء فنعوذ بالله من الضلال بعد العرفان ومن النكر بعد الإيمان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فألقوا سمعكم إلى سماع هذه القاعدة التي برزت من اللوح الأعلى إلى العالم الأدنى جامعة لسر الهوية بصفة الأحدية ونعوت الواحدية، لم تترك مرمى لرامي ولا مرقى لراقي في صفحات الوجود ونفحات الحدود منزهة بلسان القدم متشبهة بلسان العدم من حضرة الأزل والأبد، بسر تضعيف الأحد في مراتب العدد، لا يمكن اقتناصها بطريق النقل، ولا يصح افتراسها بصحيح العقل مفطورة على التفويض والتسليم لكل قلب سليم وطور جسيم، ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصاب ه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، اعلموا أيها الإخوان أن البرزخية الإلهية الأولى القاضية لعدم الأسماء والصفات المتجلية على نفسها بأحدية ذاتها المندرجة فيها الشؤون والمظاهر بتعيناتها الفائضة منها لها علماً بسر الوحدانية الجامعة لمعاني الحقائق والدقائق وتفصيلاتها في عرصة البرزخية الرحمانية التالية للبرزخية الإلهية بالاستواء الإلهي على العرش الرحماني بظهور الأسماء والصفات أعياناً ملكية، وأشخاصاً إنسانية، وتنوعات حيوانية، ونباتية، بحسب القوابل وتنوع المراتب وتحول المظاهز وتبديل الشؤون بظهور وت وآلقلي وما يسطرون [القلم : ١ ] حين التقم الصور صاحب الصور، وتعزز الطور بسر البطون والظهور والتكوين، وتناكحت الأبناء فظهرت الآباء والأبناء واندرجت الأسماء تحت ظلال المسمى وغرب الإشراق بالتفاف الساق وظهر الوصف بالحرف وبطنت الذات بشروق الصفات، بل ما وقع بطون ولا ظهور ولا إشراق ولا إحراق ولا وجد معدوم ولا عدم موجود إلا ما أظهره القدم من صفات الحدوث والعدم، وهو الآن على ما عليه كان، ثم اعلم أن البرزخين المعبر عنهما عند أهل التحقيق بحضرتي الوجوب والإمكان هما مظاهر الحقيقتين المخمدية والآدمية كما أفصح بهما لسان التنزيل بقوله : <حم والكتب آلثعن> [الدخان: ١ ، ٢] فالحقيقة الآدمية فاتقة للعدم وراتقة للقدم لأن الخصيص برتبتها الإظهار والظهور للصور الشخصية، والتنوعات الكونية، والمراتب الإيجادية، والنفحات الأسمائية، والنفحات الصورية، لأنه الخليفة المنزول والواصل الموصول من خزانة الأزل إلى بحبوحة الأبد، وإنما عن رتبة الإمامة إلى سر الأذان والإقامة، ليتحقق بالتابعية كما تحقق بالمتبوعية وإلا لم يكن لقوله فلف: «أنت أب روحانيتي وابن جثمانيتي» فائدة، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، ثم لا يخفى أنه كما فتق الابن القديم صورة العدم ورتق بالأبوة صورة القدم كذلك فتق هذا الولد الأكبر والخليفة المنتظر حضرة العدم بمفتاح العدم كما بدأنا أول خلق نعيده، وكذلك ختم بأيوته الظاهرة الجامعة أوصاف الكمالات وتعدد المقامات وسر الإحاطات المتكثرة بظهور الوحدانية المتوحدة بتجلي الأحدية في المراتب والشؤون والمظاهر


والعيون من الأزل إلى الأبد، استيعاباً واستيغاة جامعين لكل اسم ووصف وحائزين لكل معنى وحرف لأن مظهره الشريف في هذا اليوم التقييدي معدوم لتكمل رتبة الظهور بسر نبوته وتعمر رتبة البطون بسر بنوته، لأنه حقيقة الصورة المخلوق عليها آدم فلذلك اختص بالكمال المطلق المحاذي للحق في اليوم المطلق على الاستواء الرحماني، وبالعرش الإلهي لفصل القضاء بشهادته هو وأمته على سائر الأمم فافهم، ثم لما انفتحت الدورة الآدمية بالتناسل البشري والمظهر العددي، كذلك انفتحت هذه الدورة المحمدية بالتناسل العرفاني والشهود الإحساني والإيقاني ولذلك تزايدت العلوم الإلهية والمعارف الربانية، وتناقصت العلوم الفلسفية المبنية على الأفهام بظهور شمس الشريعة وبدور الإلهام، وكذلك تنازلت الحقائق من حقيقة كل ناطق بطن بعد ظهوره إلى كل فرد ظهر في هذه الدورة السيادية متصفاً بحكم شريعتها كالخضر وعيسى وغيرهما، تابعين لهذا الخاتم الجامع لجميع المقامات الإلهية في تعيناتها البشرية والملكية بكل ما احتملته صفة الظهور من حيث الوجود الذاتي الفياض على مراتبها وعوالمها الوجوبية والإمكانية فمن ورث الإيمان في هذه الدورة السيادية فإنما ورثه بأحدية جمعه وتنوع وحدته متحققاً بالعبودية قائماً بحقيقة كل ما قامت به جميع الأمم من سر الربوبية والعبودية بحيث إن توفرت مادة كل من كان تابعاً ومتبوعاً ووارثاً مستوعباً لكل حقيقة نبوية في كل شخص من هذه الأمة زيادة على ما اختص به من إرث مورثه ا بقدر حصته، إذ لا يمكن استيعاب جميع ما تحقق به هذا الخاتم اكتساباً ووهباً إلا لمن تحقق بالوحدانية في عصره، إذ هو خليفته على أهله وماله، واعلم يا أخي أن الحقيقة المحمدية هي سر وجوب الوجود الذاي الممدة لحقائق الممكنات الأسمائية والصفاتية من عالم البطون إلى عالم الظهور بالتدريج القابل لتفصيل المظاهر الكونية، وتفصيل حقائقها الإنسانية، إنما هي أوصاف سلبية لقوابل العالم ثبوتية الوجود لحقائقه المتوحدة، إذ امتداد الحقائق من العين المطلقة عن الإطلاق العارية عن الأوصاف والأسماء والنعوت في الحين الذي ظهر لنفسه بنفسه من غير تعلق اسم بمسماه أو صفة بموصوفها، فلذلك قال: ؤشهد أله أنه لا إله إلا هذيج [آل عمران: ١٨] فشهدت الأسماء على الصفات لعدم الشاهد والمشهود لبراءتها عن التنويه إذ ذاك كان الله ولا شيء معه، ثم تنزلت الهوية الأحدية عن ذاتها لذاتها إلى هوية مقيدة وتنوعات متعددة، فالهوية الأحدية سارية في هويات الأعيان المتعددة لسريان الواحد في مراتب الأعداد وهو هي لا غير وإنما هي حجب وهميات وأمماء وصفات عدميات قائمة في عدمها بالوجود المطلق الذي هو عين كل وصل، وحجاب كل فصل كما فصل الحق اسمه الرحمن من الله وفصل الرحيم من الرحمن فلذلك تنوعت الأسماء والصفات، وتعددت الأحدية في


الواحديات، وسجد كل قلب إلى موجود خاص ظهرت به الهوية وأقرت بربوبيته الواحدية حين عدم الاسم الظاهر في المراتب الكونية بعبادة الاسم الباطن في المراتب الإنسانية: ووقضى ريك ألا عبدو إلا إيام 4 [الإسراء؛ ٢٢٣ فكيف ينحجب الاسم الظاهر عن الوجود باسمه الباطن وقد انسحب حكمه على الوجود الحق بالقول الفصل وكيف يظهر له وجود وهو عين الباطن باسمه ومسماه في مراتب الظهور والبطون فهو الظاهر لا إنه كان باطناً لأنه ما تم من يبطن عنه وهو الباطن لا أنه كان ظاهراً إلا أنه ما تم من يظهر له فهو هو لا أنه بالهوية موصوف لأن كل موصوف محدود، وكل محدود مدرك، وكل مدرك واقف، وما يعلم جنود ربك إلا هو، وما هي إلا ذكرى للبشر، كل يوم هو في شأن، وكما حكمت المراتب على الواحد بأسمائها وتعددت المظاهر بأطوارها، كذلك تعددت الرقائق وتنوعت الحقائق بالحروف الجثمانية والحدود الوهميات فتبين أن الواحد كثير، واللطيف خبير بما تنزل في سبحات الوجود وترفع في حجابته، لأنه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، واعلم يا أخي أن هذه الحقيقة المحمدية لما تلبست بالمظهر البشري أخبرت عن زمان شريعتها وبقاء حقيقتها باليوم الموعود الذي له ولايته، حيث قال يلة: «إن استقامت أمتي فلها يوم، وإن لم تستقم فلها نصف يوم» فلما جاوزت النصف علمنا أنها استقامت فلله الحمد وهذا اليوم هو لبنة التمام وخاتمة الأيام من يوم الدنيا الموعود لها لأنه هو سابع أيام الدنيا، فلذلك اختص صاحبه بيوم الجمعة فلا يوم بعده ولا حساب وليس بعده إلا انتشار الظلمة وارتفاع الرحمة لفقد الشموس والأقمار وانعدام النجوم والأنوار، ووءاية لهم أليل ننلخ نه ألنهار فإذ هم ثغللثون وألشنش عئرى لشستقر لهأ دلق تقدير ألعين ألدره [يس: ٣٧، ٣٣٨ فالشريعة شمس والحقيقة بدر فنهاية شمس الشريعة في استقامتها حين استوائها على نقطة مركزها في سماء الأجسام وقبة الأعمال، وذلك هو نصف اليوم الخصيص بظهور سلطان الشريعة وبعدم ظهور سلطان الحقيقة، فلما مالت الشمس عن عرش الاستواء تحول سلطان الضياء ونزلت من سماء العمل إلى أرض العلم والجدل، وما زالت الشمس من مركزها إلا وبدر الحقيقة مشرق في أرجاء سمائها، فلا زال يسمو وينمو لظهور الحقائق العرفانية وشهود الطوالع الإيمانية كلما ازداد نور الحقيقة غاض نور الشريعة، لأن الشريعة محدودة والحقيقة مطلقة غير مقيدة، فسلطان الشريعة عند استواء شمسها وهناك يظهر عزها وتنعدم الظلال عند الزوال وتعم الأنوار كل متحرك وقار، ويندرج الظل في المظلول وينعدم الدليل والمدلول، ويلتحق الوجود بالعدم، ويعدم الحدوث بوجود القدم، فإذا تدلت هابطة ولبدر الغرب طالبة ورابطة، لإبطال ما ظهر من النور ماحقة ولمركزها سابقة وسائقة، فهناك تطاولت الحجب وامتدت النصب وكثرت الظلال والستور واندرجت الأنوار في الطور وذلك عند آخر هذ اليوم وهي الساعة التي نحن فيها والحالة التي نحن عليها وقد بين الكشف والذوق اقتراب الأمر الدنيوي وانشقاق الفجر الأخروي وزاد في البيان عكس الظلمة والظلال، وقبض العلوم وفيض الضلال، فلا يختم هذا اليوم إلا على حثالة ولا يرتفع في منخل التحليل إلا النخالة، وقد اجتمع بعض مشايخنا بالمهدي عليه الصلاة والسلام وأخبره بوقت ظهه ره من بقية هذا اليوم، وقد قرب آن ظهوره ورفع مستوره مع علمنا بأنه لا يظهر حتى تملأ لأرض ظلماً وجوراً، كما ملئت قسطاً وعدلاً، وقد وجد الظلم والجور في خواصنا وعوامنا إلا من شاء لله وكثرت الدعاوى في خصومنا بغير حق، وخرجوا بنفوسهم لدعوة الخلق بغير الحق، كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتي صحفاً منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة وكيف يخاف من صمت أذناه وعميت عيناه بحلول الشيطان ووساوس الحرمان حتي صار لا يسمع قول الحق على لسان الرسول الحق، وقل هذوء سبيلي أذعواً إلى أللى على بصيرة أنا ومن أتبعفى وشبحن آله وماً أنأ من آلشركين^ [يوسف: ٣١٠٨، فكيف يدعي الوصول من هو عن عبوديته مفصول، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وكيف يدعى الإيصال من هو عن الحقيقة في انفصال وإن ألذين قلوأ رئا أله ثم أنتقتواً تتنزل عليهه المكتيبكه ألا تخافواً ولا تخزنواً وأبثرواً يآلجنة الق كثئ توعدون [فصلت: ٣٠]، جعلنا الله وإياكم ممن استقام وتمسك بالكتاب والسنة ودام وعمل لآخرته ودنياه مع مراقبته الله في سره ونجواه وجعلنا ممن هو لعباد الله نافع ولنفسه وهواه قامع وأن لا يفضحنا في الدنيا بظنوننا ودعوانا، ولا في الآخرة بهتك أستارنا وما انطوت عليه ظواهرنا وبواطننا، وأن يجعلنا مسلمين لقضائه مفوضين مستسلمين لحكمه وإمضائه شاكرين لنعمائه صابرين على بلائه خائفين من تقلبه فينا بمحوه وإثباته، ورزقنا حسن الاتباع لشريعته وسنته والفهم عنه لنفهم فنعمل لآخرته وأن يختم سابقنا ولاحقنا وأولانا وأخرانا وأن ينبت لنا الزرع ويدر لنا الضرع وينزل علينا من بركات السماء والأرض إنه هو المنعم الجواد الرؤوف الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

هذا ما أظهره المولى، على لسان المولى، ولله الحمد دائماً أبداً، وصلى الله على السيد الأكبر والنور الأزهر والحبيب والمحبوب للرب المربوب سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان آمين، هذا ما نقلته من خط أخي العارف بالله تعالى الشيخ أفضل الدين الأحمدي رضي الله عنه وهو لسان غريب مفردببلوغه مقام العرفان، وأظن أن غالب مشايخ العصر لا يصلح أن يكون تلميذاً له لأن شرط التلميذ أن يفهم كلام شيخه وما أعرف الآن أحداً منهميفهم هذا الكلام، فرحمه الله رحمة واسعة وجمعنا عليه في دار

دررالغؤاص-مه كرامته آمين، والحمد لله رب العالمين، قال مولانا الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني الشافعي خادم الفقراء عفا الله عنه كتبته في سابع رجب سنة خمس وخمسين وتسعمائة حامداً مصلياً مسلماً وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

تم الكتاب


فهرس المحتويات

٠

ترجمة المصنف ............................................................................................. ٣ خطبة الكتاب           ..........................  ٥

سؤاله عما يقول العلماء من الناسخ والمنسوخ في الحديث بالتاريخ ... ٨ سؤاله عن مقام المجاذي ب في الجنة .. ٩ سؤاله          عن          قوله ييلف: «الجنة تشتاق إلى أربع. . . » .......................................... ١ ١

سؤاله    عن  حقيقة الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام .....................................  ٢ ١

سؤاله    ماذا  أنوي بالست ركعات التي أصليها بعد صلاة المغرب ...............................  ١٣

سؤاله بلسان الافتقار عن الأحدية السارية في الوجود وشدة ظهورها مع خفائها .. ١٦ سؤاله....... عن....... الفرق بين صوت الجن والإنس         ١٧

سؤاله    عن  عالم الخيال هل هو البرزخ .......................................................  ١٧

سؤاله    عن  الصفات هل يصح تعلقها بالذات .. ١٧

سؤاله    عن  سبب تنوع طرق الأولياء وكثرتها .. ١٨

سؤاله    عن  معنى نزول الحق تعالى في الثلث الأخير من الليل................................ ٠ ٢

سؤاله    عن  البلوغ والإدراك في البرزخ......................................................... ١ ٢

سؤاله    عن  الدعاء على الظلمة إذا جاروا ........................................................  ٢٢

سؤاله    عن  النور الذي يكون في البرزخ .......................................................  ٢ ٢

سؤاله    عن  مصاحبة الكمل من الأفراد .........................................................  ٢٣

سؤاله    عن  التكليف فإن فيه جمعاً بين ضدين ....................................................  ٢٤

سؤاله    عن  التفكر والتدبر في القرآن............................................................ ٢٥

سؤاله    عن  العلوم................................................................................ ٢٦

سؤالهعن       التفكر في لقرآن..................................................................... ٢٧

سؤاله    عن  مألوفات النفوس والركون إلى عالم الغيب والشهادة ..............................  ٩ ٢

سؤاله    عن  ركون النفس إلى خرق العوائد .....................................................  ٠ ٣

سؤاله    عن  الميزان التي يوزن بها الرجال .....................................................  ١ ٣

سؤاله    عن  التوحيد ما هو؟ .....................................................................  ٢ ٣

سؤاله عن المسببات هل لها أسباب مخصوصة لا تقبل غيرها؟ ..

سؤاله عن عالم الخيال وعالم التقييد وعالم الإطلاق ....................................... سؤاله عن تفسير سورة التكوير والانفطار

سؤاله عن النور الذي يظهر على وجوه قوام الليل.................................................

سؤاله عن أرباب الأحوال الذين يظهر عنهم الخوارق .....

سؤاله عن متى يكمل العالم في درجة العلم؟ ......................................................

سؤاله عن ادخار القوت هل هو محمود ......................................................... سؤاله عن الخواطر القبيحة والشهوات الغالبة التي يستحيا في العرف عن الإفصاح بها .................................................................

سؤاله عما يصيب الأطفال والبهائم من الأمراض والعاهات ......................................

سؤاله    عن  سبب القساوة التي يجدها         العبد   في قلبه   في    بعض       الأوقات ....

سؤاله    عن  تعظيم الخلق للعبد بسبب         ورعه  وزهده ٠٠........................................

سؤاله    عن  علامة صحة توحيد العبد         لله تعالى؟                                         

سؤاله    أيهما أكمل القن أو المكاتب                                                              

سؤاله عن دهليز نزول العلوم الإلهية في القلب ............................................... سؤاله عن        سبب       كفر الكفار                

سؤاله    عن  علامة  أصحاب    الأحوال حتى نعاشرهم بالأدب؟ ..............................

سؤاله    هل   للعبد   أن يحكم     على نفسه بالعدم ليعطي       الوجود للهحقه ؟ .............

سؤاله    هل   أرخي  لي عذبة    كما عليه طائفة الصوفية؟              .......................

سؤاله عن خطور ثواب الأعمال على قلب العبد حال الشروع في الطاعة .. سؤاله عن القهر والمنازعة ............................................................................. سؤاله عن طلب المريد ظهور كرامة هل يقدح ذلك في أعماله؟ .. سؤاله عما يفعله المشايخ من ترتيب الأوراد للمريدين .. سؤاله عن قول بعضهم إن الأحدية سارية في جميع الوجود .. سؤاله عن الحكمة في وجوب استقبال القبلة ... سؤاله               عن.............................................. الكامل هل    له الركون إلى        عدم مكر الحق تعالى به؟         

سؤاله    عن  ميزان الحركات المحمودة        والمذمومة؟ .......................................

سؤاله    هل  للجسم بعد      مفارقة الروح    إحساس وإدراك؟ ................................

سؤاله    عن  علامة كون    البلاء عقوبة ........................................................




Not: Bazen Büyük Dosyaları tarayıcı açmayabilir...İndirerek okumaya Çalışınız.

Benzer Yazılar

Yorumlar